القاهرة | على الرغم من تأكيد رئيس الوزراء المصري، مصطفى مدبولي، إحداث انفراجة في أزمة انقطاع التيار الكهربائي في البلاد، استمر الانقطاع لليوم الثالث على التوالي، مع رصد فترات انقطاع وصلت إلى 6 ساعات في بعض المناطق الحيوية، إلى جانب تسجيل بعض القرى فترات مماثلة تجاوزت الثماني ساعات. ودفعت زيادة تلك الفترات، التي تجاوزت الساعات الثلاث التي حددتها الحكومة، إلى إعلان تحركات على مستوى المجتمع المدني لمساعدة الطلبة، عبر فتح الأبواب في الكنائس وبعض المكتبات الكبرى التي لا ينقطع فيها التيار الكهربائي، لتكون مكاناً لمذاكرة هؤلاء، وسط استمرار ارتفاع درجات الحرارة. وفي حين لم يرصد أي انقطاع للتيار الكهربائي في مدينة العلمين الجديدة في الساحل الشمالي، والتي يروّج لها النظام باعتبارها مقصداً سياحياً مهماً، دفع الضغط على مخزون الغاز المستخدم في توليد الطاقة الكهربائية، الحكومة، إلى إعادة توجيه كميات الغاز لمصلحة محطات الكهرباء، وإيقاف الضخ عن المصانع الكثيفة الاستهلاك للطاقة، لتتعطل 4 من كبرى شركات الأسمدة بسبب توقف إمدادات الغاز الطبيعي ونفاد مخزونها الاستراتيجي من العمل.ومع تفاقم أزمة الكهرباء نتيجة نقص الغاز، والذي تعزوه الأوساط الحكومية إلى نقص الكميات القادمة من إسرائيل إلى محطات الإسالة المصرية، وازدياد الغضب الشعبي إزاء ذلك، سُجّل استنفار مصري على المستوى الرسمي؛ إذ أطلقت حملة إعلامية «مفتعلة» للتعبير عن «رضا المواطنين»، بعد توجيهات الرئيس للحكومة بالعمل على حل المشكلة. كما تضمنت الحملة تحميل «جماعة الإخوان المسلمين» مسؤولية «تأجيج» الغضب الشعبي في الشارع، بالتزامن مع قرب حلول الذكرى الـ 11 للإطاحة بالجماعة التي صنفها القضاء باعتبارها «إرهابية» وحظر أي وجود لها.
بات مسؤولو النظام يروّجون أن أزمة الكهرباء سببها «مؤامرة على مصر»


أيضاً، بدأ العمل على مسارات عدة من أجل إيجاد مبررات أمام المواطنين، في وقت تستعد فيه الحكومة لتطبيق زيادة في أسعار الكهرباء وإعلان رفع أسعار المحروقات خلال الأيام المقبلة، بالتزامن مع بداية العام المالي الجديد. وخلافاً للتقارير الواردة من عدة دول حول قطع الكهرباء اضطرارياً نتيجة ارتفاع درجات الحرارة وموجات الحرّ غير المسبوقة التي تضرب العالم، تقول مصادر، في حديث إلى «الأخبار»، إن «مسؤولي النظام باتوا يروّجون أن أزمة الكهرباء سببها مؤامرة على مصر من أجل حصارها على خلفية مواقفها ممّا يحدث في غزة، وهي جزء من محاولات الضغط على مصر لقبول مواقف لا ترضاها بشأن تهجير أهالي غزة إلى سيناء».
كذلك، أطلقت الحكومة والمخابرات رجالها عبر منصات مواقع التواصل الاجتماعي، من خلال اللجان الإلكترونية، للدفاع عن طول فترات انقطاع التيار الكهربائي، والحديث عن كيفية التعامل مع الأزمة، فيما بدأت كيانات الدولة المختلفة إعلان ترشيد استهلاك الكهرباء وإغلاق مقارّها في أوقات مبكرة. ورغم الإعلان عن إتاحة أكثر من مليار دولار لاستيراد الوقود اللازم لتشغيل المحطات الكهربائية، إلا أن موعد تحقيق إيقاف انقطاع التيار الكهربائي في حلول الأسبوع الثالث من تموز، يبدو مستبعداً بشكل كامل، وسط سعي الحكومة لتخفيض فاتورة دعم الكهرباء، الأمر الذي يستوجب استمرار قطع التيار حتى بعد الزيادة المقرر تطبيقها الشهر المقبل.
هكذا، يبدو أن الدولة لا تمتلك، هذه المرة، قدرة على السيطرة على الغضب، في ظلّ نقص المحروقات وعدم وجود مخزون استراتيجي كافٍ يمكن استغلاله، إلى جانب تأخر وصول الكميات التي جرى الاتفاق على استيرادها، في وقت تسجل فيه مئات المصانع خسائر بملايين الجنيهات يومياً نتيجة قطع الكهرباء حتى عن المناطق الصناعية. وعلى هذه الخلفية، تحمّل الدولة المواطن مسؤولية «الإنجاز» غير المدروس في تدشين محطات الكهرباء؛ إذ لدى مصر محطات جديدة بإمكانها إنتاج ضعف ما تحتاج إليه البلاد، لكنّ نقصَ الوقود وعدم الحاجة إلى هذه المحطات التي تسدّد قروض إنشائها بالعملات الأجنبية فاقما من الأزمة.