القاهرة | مضت الحكومة المصرية في خطة رفع الدعم، استجابة لإملاءات «صندوق النقد الدولي»، رافعةً سعر الخبز المدعوم بنسبة بلغت 300%، سيتمّ تنفيذها بدءاً من الشهر المقبل. وقال رئيس الوزراء المصري، مصطفى مدبولي، في مؤتمر صحافي أمس، إن مجلس الوزراء اتّخذ «قراراً برفع سعر رغيف الخبز المدعوم إلى عشرين قرشاً اعتباراً من بداية الشهر»، فيما كان لافتاً صدور القرار في ظل غياب الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، الموجود في الصين، والذي اقترح، قبل أيام، تعديل مكوّنات الخبز لتكون خليطاً من الدقيق والذرة، بهدف توفير كميات الدقيق المستخدمة بنسبة 20%. وكان السيسي أعلن، لأول مرة في عام 2021، اعتزام الحكومة زيادة ثمن رغيف الخبز المدعوم، قائلاً في إحدى الفعاليات: «أتى الوقت، حتى الرغيف أبو 5 ساغ (قروش) يزيد ثمنه». هكذا، تجرّأ النظام المصري على استهداف السلعة الأساسية التي تستفيد منها الشريحة الكبرى من المصريين، ولا سيما الفقراء ومحدودو الدخل، بعد التراجع عن تطبيق الزيادة عدة مرات، واتخاذ قرار بتخفيض وزن الرغيف بواقع 15% بدلاً من زيادة سعره قبل سنوات، علماً أن قيمة سعر الخبز المدعوم بلغت، منذ نظام مبارك وحتى اليوم، 5 قروش (الجنيه يساوي 100 قرش، والدولار يساوي 47.5 جنيهاً). واكتفت الحكومة ببث رسائل إعلامية برّرت فيها خطوتها بأنها تستهدف تحسين جودة الرغيف، على رغم أن الإعلان عن الزيادة لم يتضمن أي إشارة إلى تعديل المنظومة التي يتم بموجبها إنتاج الخبز الذي تنتج منه البلاد 100 مليار رغيف سنوياً، وهو ما قوبل بسخط المواطنين، الذين عبّروا عبر مواقع التواصل الاجتماعي عن غضبهم من استمرار تآكل قيمة رواتبهم بسبب معدلات التضخم والسياسات الاقتصادية المتخبّطة. والجدير ذكره، هنا، أن الخطوة المماثلة التي اتخذها أنور السادات، عام 1977، تسبّبت باندلاع «انتفاضة الخبز» ولم تتوقف حتى عادت الأسعار القديمة. على أن إعلان الحكومة القرار، ودعوة «الحوار الوطني» إلى مناقشة ملف الدعم الأسبوع المقبل، في الوقت نفسه، عكسا رغبة النظام في «شرعنة» الخطوة لدى الرأي العام.
إعلان الحكومة القرار، ودعوة «الحوار الوطني» إلى مناقشة ملف الدعم، في الوقت نفسه، عكسا رغبة النظام في «شرعنة» الخطوة لدى الرأي العام


وحول قرار الزيادة، تفيد مصادر «الأخبار» بأنه «كان يفترض أن يدخل حيز التنفيذ مطلع يوليو (تموز)، بالتزامن مع بداية العام المالي الجديد»، مشيرة إلى أنه «جرت مناقشته بالفعل مع شعبة المخابز في الأيام الماضية، لبحث آلية حصول أصحاب المخابز على فروق الدعم التي تسدّدها الحكومة»، فيما «ستُعقد اجتماعات طارئة اليوم الخميس وغداً الجمعة لمناقشة الأمر تفصيلياً». وفي حين أكّدت الحكومة، على لسان مدبولي، أن «رغيف الخبز يكلّف الدولة المصرية اليوم جنيهاً وربع جنيه (0,0026 دولار) ويباع بخمسة قروش، وبالتالي تتحمل الدولة 120 قرشاً عن الرغيف الواحد» - وهي تكلفة يُنظر إليها باعتبارها مبالغاً فيها -، يقول مسؤول اقتصادي حكومي، في حديثه إلى «الأخبار»، إن هذه التكلفة «تشمل الزيادات المتوقّعة في أسعار الكهرباء والمحروقات خلال الأسابيع المقبلة»، موضحاً أنه «يجري التعامل على أساسها لتجنب أي زيادات غير محسوبة في المخصّصات المالية للدعم». وكانت كلفة الرغيف قفزت إلى أكثر من الضعف خلال الأعوام الماضية، على خلفية استمرار تراجع قيمة الجنيه أمام الدولار، الأمر الذي زاد من تكلفة شراء القمح، فضلاً عن زيادة كلفة تشغيل المخابز بالمازوت والمحروقات، والتي قفز سعرها أيضاً نتيجة رفع الدعم من قبل الحكومة.
ورغم أن الحكومة تزعم أن خطواتها الاقتصادية من شأنها أن تسهم في خفض معدلات التضخم القياسية، إلا أنه من المتوقّع أن تؤدي هذه الزيادة، إلى جانب الزيادات المرتقبة التي تستهدف خدمات أخرى، إلى تصاعد معدلات التضخم المرتفعة أساساً، مع عودة ارتفاع أسعار السلع مرة أخرى، بعد تراجعٍ دام لأسابيع فقط. والجدير ذكره، هنا، أن ما ستوفّره الحكومة من ارتفاع أسعار الخبز، يبلغ نحو 15 مليار جنيه فقط سنوياً، في وقت تخصص فيه للدعم أقل من 9% من مخصصات الموازنة، مقابل أكثر من 50% تُدفع للديون وفوائدها، مع استمرار سياسة الاقتراض والتوسع فيها لسداد الديون القديمة، علماً أن «صندوق النقد» يطالب بالالتزام بالجدول الزمني لرفع الدعم كاملاً عن الوقود، في غضون عامين من الآن.
على أي حال، يبدو أن الحكومة ستعيد النظر في منظومة الدعم بشكل كامل، التزاماً بشروط «صندوق النقد»، والتي سيتوجب على الحكومة الالتزام بها لضمان الاستمرار في تلقّي دفعات «الصندوق» من القرض واستمرار الدعم الاقتصادي الغربي، سواء عبر ضخ استثمارات أو تشجيع المستثمرين، بما سيدفع نحو مزيد من التخفيض لقيمة الجنيه خلال الأشهر المقبلة. وفي خضمّ ذلك، تفتقد الحكومة رؤية واضحة للتعامل مع الوضع الاقتصادي أو جدولاً زمنياً لإنهاء الأزمة، مع إعلانها أموراً غير قابلة للتحقق باعتبارها المخرج منها، من مثل توقف النمو السكاني.