بعد استعراضٍ متأنٍ للبيانات الرسمية الأمنية التي نشرتها قوى الأمن الداخلي خلال هذا العام، يُلاحظ تصاعدٌ مُقلِقٌ في جرائم المخدرات. يُشكل النشاط الإجرامي المنظم، الذي يديره تجار المخدرات، الجزء الأكبر من هذه الجرائم، الأمر الذي يُنذر بانتشار آفة المخدرات بشكلٍ أوسع واختراقٍ أعمق لمختلف مناطق المجتمع اللبناني.يسلط هذا المقال الضوء على تقنيات التحقيق الجنائي العلمي في جرائم المخدرات، لتأكيد أنه مهما بلغت براعة المجرمين في التخطيط، فلا مهرب لهم من قبضة العدالة. مكافحة المخدرات قضية مهمة وضرورية، وتملك أجهزة الأمن اللبنانية القدرة على تعقب هؤلاء المجرمين واعتقالهم ومحاكمتهم .
هل سبق أن تساءلت عما يحدث لتلك الحقيبة المشبوهة التي صادرتها الشرطة في مسرح الجريمة؟ إنها لا تختفي فحسب، بل تدخل عالماً معقداً من التحقيقات العلمية. يشبه التحليل الجنائي للمخدرات لعبة بوليسية عالية المخاطر. لا يتعلق الأمر فقط بتحديد نوع المخدرات التي تم العثور عليها في زقاق مظلم أو التي في عملية ضبط نوعية، بل برسم صورة كاملة يمكنها إسقاط حلقات الاتجار بأكملها، وضمان تحقيق العدالة، وحماية المجتمعات من المواد الضارة.
هل تساءلت يوماً كيف يكتشف الخبراء ما هو موجود بالضبط في هذا المسحوق الأبيض المشبوه؟

نستعرض بعض أهم التقنيات الجنائية:
1. معالجات الفصل اللوني (كروماتوغرافيا الغاز/السائل): تخيل أن تأخذ كيساً من الحلوى المتنوعة وتصنف كل قطعة حسب النوع، تقوم هذه التقنية بفصل المواد الكيميائية المختلفة في العيّنة، مما يسهل التعرف عليها.
2. قياس الطيف الكتلي: تقوم هذه التقنية بتكسير المواد إلى قطع صغيرة لتحديد بنيتها، تماماً كتفكيك نموذج LEGO لمعرفة نوع الأجزاء المستخدمة.
3. التحليل الطيفي للأشعة تحت الحمراء وفوق البنفسجية لمعرفة الجزيئات الموجودة، إذ إن كل مادة لها «توقيع ضوئي» فريد من نوعه، مثل البصمة الجزيئية.
علماً أنه لا يقتصر تحليل المخدرات الجنائية على القول «إنه كوكايين» أو «ماريجوانا». بل يمكنه أيضاً الكشف عن قوة المخدر ونقائه وحتى مصدره.



الشعر ككبسولة زمنية لتعاطي المخدرات
يمكن أن يكون الشعر أداة قيمة جدًا في اكتشاف استخدام المخدرات والمواد المؤثرة على الجسم. يعود سبب هذه القيمة إلى الطبيعة الفريدة للشعر، حيث ينمو الشعر من فروة الرأس، وهي محمية طبيعية تسجل وتحفظ المواد التي تتداول في الجسم على مر فترة طويلة.
عندما يتعرض الفرد للمخدرات، ينتقل الدم المحمل بمتابعات المخدرات إلى بصيلات الشعر خلال عملية النمو. وبمرور الوقت، يُحتفظ بهذه المواد في بنية الشعر بشكل دائم. تُستخدم تقنيات التحليل المتقدمة مثل الكروماتوغرافيا الغازية والطيف الكتلي لاستخراج وتحديد هذه المواد في الشعر.
إلى ذلك، يمكن أن يوفر الشعر إشارة مفصلة حول تواريخ وفترات استخدام المخدرات، ويمكن قياس تأثير المخدرات على أطوال مختلفة من الشعر. هذا يجعل الشعر أداة قيمة للتحقيقات الجنائية والطب الشرعي، ويساعد في توفير بيانات دقيقة لفهم سلوك استخدام المخدرات والمواد المؤثرة على الفرد.

التكتيكات الإجرامية مقابل المباحث العلمية: المعركة حول نزاهة اختبار المخدرات
يستخدم المجرمون أساليب مختلفة للتلاعب بنتائج اختبارات المخدرات، وتختلف كل منها من حيث التعقيد والفعالية. وطوّر الخبراء الجنائيون تقنيات مناسبة للكشف عن مثل هذا التلاعب:

استبدال عينة البول ببول اصطناعي أو بول شخص خال من المخدرات
يعمد الخبراء إلى فحص درجة حرارة البول، فعادة ما يكون البول الطازج ضمن نطاق درجة حرارة محدد 32-38 درجة مئوية، ويضع الخبراء علامة على العينات خارج هذا النطاق. كما يلجأ الخبراء إلى قياس مستويات الكرياتينين بحيث يحتوي البول الطبيعي على مستويات معينة من الكرياتينين، وغالباً ما يكون للبول الاصطناعي أو المخفف مستويات غير طبيعية.

إضافة مواد إلى البول لإخفاء آثار المخدرات
يمكن للاختبارات اكتشاف المواد المضافة الشائعة مثل المبيّضات والخل والعوامل المؤكسدة، كما يمكن أن تشير مستويات الأس الهيدروجيني pH غير العادية إلى الغش.

شرب كميات كبيرة من الماء أو تناول مدرّات البول لتخفيف البول
يستخدم الخبراء اختبارات الكرياتينين والجاذبية التي تكون منخفضة جدًا في حال اللجوء إلى التخفيف. كما يمكن أن يكون البول شديد الوضوح علامة على التخفيف.
يمكن اكتشاف المخدرات في الشعر والأظافر لعدة أشهر بعد التعاطي مما يجعل من الصعب تجنب الكشف من خلال التدابير القصيرة المدى كفحص البول


استخدام منتجات التخلص من السموم
من خلال تناول المنتجات التي يتم تسويقها على أنها مشروبات أو حبوب التخلص من السموم والتي تدعي أنها تقوم بتطهير الجسم من المخدرات. إلّا أنه يمكن للاختبارات اكتشاف المواد الشائعة في منتجات التخلص من السموم. إلى ذلك تؤدي منتجات التخلص من السموم إلى تغيير التركيب الكيميائي للبول، وهو ما يمكن اكتشافه.

التحديات في المختبر: الأمر ليس واضحاً دائماً
يواجه الخبراء الجنائيون الكثير من التحديات في هذا الإطار، أبرزها واقع أن عالم المخدرات يتطور باستمرار بمواد جديدة مجهولة، إضافة إلى المخاليط المعقدة حيث يمكن أن تحتوي العينات على مزيج من المواد الكيميائية، مما يجعل من الصعب فرز ماهيتها. إلى ذلك، التحدي الدائم وهو ضمان سلامة الأدلة والحفاظ على بروتوكولات صارمة للتأكد من قبولها في المحكمة.