رغم عدم خوض السياسي المصري، أحمد الطنطاوي، الرئيس السابق لـ«حزب الكرامة»، الانتخابات الرئاسية الأخيرة، لم يحرف النظام الأنظار عنه، بل عمد إلى إبعاده عن المشهد السياسي بشكل كامل، نظراً إلى معارضته الشديدة له وللرئيس عبد الفتاح السيسي ومجاهرته بانتقاداته الحادّة له، والتي كلّفته السجن لمدة عام وحرمانه من الترشح في الانتخابات المقبلة. ولم يكن قرار محكمة جنح مستأنف المطرية (أول درجة)، بتأييد حكم بحبس الطنطاوي لمدة سنة مع الشغل، برفقة أعضاء حملته الانتخابية، سوى نهاية متوقّعة لهؤلاء، في ظل وجود نظام «يتفنّن» في سبل إقصاء المعارضين.والقضية التي سُجن فيها الطنطاوي، مرتبطة بالعراقيل التي وُضعت أمامه خلال سعيه لجمع توكيلات شعبية من أجل خوض سباق الانتخابات الرئاسية التي جرت نهاية العام الماضي قبل موعدها بنحو 4 أشهر، في خطوة جاءت من أجل تمرير قرارات اقتصادية عدة، إذ سجنه القضاء، أول من أمس، على خلفية دعوته إلى تحرير توكيلات شعبية غير موثّقة في المكاتب الرسمية، ليتمكّن من خوض سباق الانتخابات الرئاسية، وهو ما اعتبرته «الهيئة الوطنية للانتخابات» محاولة للتأثير على مسار الاستحقاق، علماً أن عراقيل كثيرة ومضايقات واجهها الراغبون في تحرير توكيلات تفويض الطنطاوي وُثّقت في مكاتب الشهر العقاري، وقدّمها الرجل في شكاوى، لكن تمّ تجاهلها من قبل «الهيئة» والمؤسسات المعنية. وكان الطنطاوي قد أفاد مراراً، عبر الإعلام الأجنبي، بمنع المواطنين من تحرير توكيلات له، بعدما جمع أكثر من 14 ألف توكيل في الأيام الأخيرة، جاءت غالبيتها من السفارات المصرية في الخارج، فيما كان يفترض أن يجمع نحو 25 ألف توكيل من 15 محافظة مصرية.
أيضاً، تجاهل الحكم الذي صدر بحق الطنطاوي وأعضاء حملته، العديد من الملاحقات الأمنية والتوقيفات التي حدثت لأعضاء حملته، بمن فيهم أقارب للرجل نفسه، من أجل محاولة إسكات صوته وحثّه على التراجع عن توجيه انتقادات شخصية ومباشرة إلى السيسي. ولم تجدِ محاولة الطنطاوي تبرئة أعضاء حملته نفعاً، أمام المحكمة التي قرّرت سجنهم جميعاً مع الشغل، ما يعني حرمانهم أيضاً من الانخراط في العمل السياسي. وقال الطنطاوي من داخل قاعة المحكمة: «أتحمّل المسؤولية كاملةً عن التوكيلات الشعبية»، مطالباً بـ«تبرئة كل المتهمين في هذه القضية والإفراج عنهم فوراً».
وفي الواقع، ثمة مسار قضائي للنقض على الحكم، لكنّ هذا المسار يستغرق وقتاً طويلاً، ما يعيق إمكانية ترشح الطنطاوي مجدداً للانتخابات البرلمانية التي تجري العام المقبل. هكذا، جاء الحكم القضائي ليكون بمثابة نهاية لمسيرة الطنطاوي السياسية، بعد المعركة التي خاضها أمام النظام لأشهر، سواء خلال فترة إقامته في لبنان للدراسة أو بعد عودته إلى مصر لخوض سباق الانتخابات الرئاسية، إثر إقصائه عن عضوية مجلس النواب بـ«التزوير» في انتخابات 2020.
إزاء ذلك، التزم غالبية السياسيين الصمت، في ظل القبضة الأمنية التي يفرضها النظام على الحياة السياسية، فيما طالب «حزب الإصلاح والتنمية» الذي يترأسه النائب السابق محمد أنور السادات، عضو «المجلس القومي لحقوق الإنسان»، بإصدار عفو رئاسي عن الطنطاوي وأعضاء حملته، مؤكداً أن الحكم سيدفع المعارضة إلى إعادة التفكير في استمرارية مشاركتها في «الحوار الوطني» والاستحقاقات الدستورية القادمة من دون ضمانات حقيقية. وعلى أي حال، وبينما تبدو خيارات المعارضة محدودة في الوقت الراهن، يعكس الحكم في حق الطنطاوي، على الرغم من إخفاق الأخير في خوض الانتخابات الرئاسية، فضلاً عن اتهامات التخوين التي وُجهت إليه في الإعلام الرسمي، استمرار النظام في نهج إقصاء المعارضة الساعية للسلطة، في مقابل فتح المجال لداعميه حتى مع اعتراضهم على بعض السياسات، في الحد المسموح به.