الحسكة | أغلقت قوات "الأسايش" التابعة لـ"الإدارة الذاتية" بشكل مفاجئ، عصر السبت، الحواجز التي تفصل مناطق سيطرتها عن مناطق الحكومة السورية، من دون أيّ توضيح رسمي، وسط تقديرات بأن الإغلاق سياسي، ومرتبط بالأنباء عن اقتراب عقد مصالحة سورية - تركية، عادت لتكتسب زخماً سياسياً وإعلامياً كبيراً في الأيام الأخيرة. وأكدت مصادر تعمل في مجال النقل البري، لـ"الأخبار"، أن "حواجز الأسايش المتمركزة بالقرب من معابر البوعاصي والعكيرشي والطبقة في ريف الرقة، والتايهة في ريف حلب، أوقفت حركة الدخول والخروج من مناطق سيطرة الإدارة الذاتية وإليها، وفي اتجاه مناطق الحكومة السورية"، مشيرة إلى أن "الإغلاق استثنى فقط المرضى والطلاب بعد إبراز الأوراق والثبوتيات اللازمة". وبررت مواقع إعلامية مقرّبة من "قسد"، القرار، بأنه "لأسباب ودواعٍ أمنية، ولن يتجاوز الثلاثة أيام فقط"، لتعود وتعزوه إلى "وجود إقبال كبير من أهالي محافظة الحسكة ومناطق سيطرة قسد على زيارة شخصية دينية بارزة وصلت إلى محافظة حلب قادمة من تركيا، ما تسبب بضغط كبير على حركة السفر على المعابر من أتباعه ومريديه". لكن مصادر ميدانية رجحت، في حديث إلى "الأخبار"، أن يكون "القرار مؤقتاً"، عادّة إياه "بمثابة رسائل أولية إلى الحكومة السورية بأن هناك أوراقاً يمكن استخدامها في حال إنجاز الاتفاق مع الأتراك على حساب قسد والإدارة الذاتية"، متوقعة أن "تلجأ الذاتية إلى اتخاذ إجراءات إضافية كوقف توريد المحروقات في اتجاه مناطق سيطرة الحكومة السورية، والتلويح باستخدام ملفّي معتقلات ومخيمات عناصر داعش وعوائلهم، لتحقيق أكبر ضغط ممكن لعدم إنجاز التقارب الحكومي مع أنقرة".
ولم تخف "الذاتية" موقفها المتشدد من مسألة التطبيع بين دمشق وأنقرة، وذلك من خلال تأكيدها، في بيان رسمي، قبل تطبيق قرار إغلاق المعابر بساعات، أن "أيّ تقارب أو مصالحة بين دمشق وأنقرة، يعدّ بمثابة مؤامرة كبرى ضد الشعب السوري، وضد مصلحة كل السوريين". وأضافت أن "المصالحة - إن تمت - ستكون بمثابة شرعنة واضحة للاحتلال التركي"، متابعة أنه "في حال اتفاق دمشق وأنقرة، فإن ذلك سيكون تطوراً سلبياً جديداً لمناطق سوريا، وخرقاً علنياً لسيادتها". ورأت أن "اتفاقاً كهذا لن يحقّق أي نتائج إيجابية، بل سيؤدي إلى تأزيم الواقع السوري، ونشر المزيد من الفوضى، وسيكون دعماً لكل من دعمتهم تركيا وفي مقدمتهم تنظيم داعش". وبهذا، تناقض "الذاتية" نفسها؛ إذ سبق أن أكدت، في غير مناسبة، الانفتاح على فكرة الحوار والمصالحة مع تركيا، على أساس احترام حسن الجوار، وهو ما أبلغته أيضاً لمسؤولين أميركيين وغربيين زاروا مناطق سيطرتها.
ويعود تخوف "الذاتية" من التطورات الأخيرة، على الأرجح، إلى إدراكها أن أيّ تفاهم سوري - تركي سيكون في الغالب على حساب مناطق سيطرتها، ولمصلحة إنهاء تجربتها المتواصلة منذ تأسيسها في عام 2014، وتقوية موقف دمشق إقليمياً ودولياً، والتمهيد لرفع يد واشنطن عن الشرق السوري، تمهيداً لإعادته أيضاً إلى سيطرة الحكومة السورية. كذلك، سيشجع تفاهم كهذا، أنقرة، على شنّ مزيد من العمليات العسكرية، وخاصة مع إصرار "قسد" على إجراء الانتخابات المحلية في موعدها في آب القادم. وفي هذا المجال، تؤكد مصادر مقرّبة من "الذاتية"، لـ"الأخبار"، أن "الذاتية تلقّت إخطاراً بأن التقارب السوري - التركي بات قريباً، في ظل وجود دعم روسي وإيراني وسعودي وإماراتي، وعدم اعتراض أميركي"، مبيّنة أنها "لجأت إلى استعراض أوراقها الممكنة، لإثبات أنها لن تكون الحلقة الأضعف في أي تسوية سياسية للأزمة السورية، تعدّ المصالحة السورية - التركية جزءاً مهماً منها". وتكشف المصادر أن "مسؤولين كرداً أبلغوا دمشق استعدادهم لخوض جولات حوار جديدة حول مستقبل مناطق سيطرتهم"، مرجحة أن "تبدي الذاتية انفتاحاً على الحوار مع لجنة الحوار الوطني التي شكلتها القيادة المركزية الجديدة لحزب البعث، للتأسيس لمؤتمر شامل للحوار الوطني".
وتأتي كل هذه التطورات في وقت كشفت فيه مصادر إعلامية سورية أن "لقاءً مرتقباً سيجمع الجانبَين السوري والتركي في العاصمة العراقية بغداد"، لافتة إلى "دعم عدة دول، من بينها روسيا والصين وإيران والسعودية والإمارات، لجهود التقارب". وأشارت إلى أن "الجانب التركي طلب من موسكو وبغداد الجلوس إلى طاولة حوار ثنائي مع الجانب السوري، ومن دون حضور أي طرف ثالث، وبعيداً عن الإعلام، للبحث في كل التفاصيل التي من المفترض أن تعيد العلاقات بين البلدين إلى سابق عهدها"، معتبرة أن "اجتماع بغداد المرتقب هو خطوة لبداية عملية تفاوض طويلة قد تفضي إلى تفاهمات سياسية وميدانية".