أعادت الأنباء المتواردة عن عودة المساعي الروسية من جهة، والعراقية من جهة أخرى، والمدعومة من قبل إيران، للتوسط بين دمشق وأنقرة، فتح الباب أمام تساؤلات مصيرية عديدة، سواء في الشمال الشرقي من البلاد (مناطق سيطرة الأكراد – الإدارة الذاتية)، أو في الشمال والشمال الغربي حيث تنتشر فصائل تابعة لتركيا، بينها «هيئة تحرير الشام» (جبهة النصرة – الفرع السابق لتنظيم القاعدة)، في ظل ضبابية الأنباء التي يجري تسريبها، وحالة عدم اليقين حول مستقبل هذه المناطق. وتكشف مصادر سوريّة معارضة، في حديث إلى «الأخبار»، أن تركيا ردّت على تساؤلات عدد من قادة الفصائل حول صحة التقارير التي تتحدث عن لقاءات جرت في قاعدة «حميميم» الروسية في الساحل السوري بين وفدين سوري وتركي، بأن الطرفين لم يجريا أي لقاء على المستوى الاستخباراتي الرفيع، من دون نفي حدوث لقاء على المستوى التقني.وتضيف المصادر أن ضابط الارتباط بين الفصائل المسلحة في الشمال السوري وتركيا، طلب من الفصائل تهدئة الأوضاع وقمع أي تحرك رافض للسياسة التركية، وهو ما جرى فعلاً في مدينة تل أبيض التابعة لمحافظة الرقة، والحدودية مع تركيا، إذ تم اعتقال عدد من المسلحين الذين حاولوا تنظيم تظاهرة رافضة لدخول وفد روسي إلى المنطقة، لإجراء لقاء مع وفد تركي، من دون أن ترشح أي معلومات عن فحوى هذا اللقاء، وهو ما زاد من حالة الضبابية في ظل الحديث الذي بدأ ينتشر حول دراسة خطة يتم من خلالها تسليم المنطقة الحدودية، لقوات حرس الحدود السورية.
وتجيء الأنباء عن التقارب بين الطرفين، والذي ارتفعت وتيرة الحديث عنه في وسائل الإعلام التركية خلال الأيام القليلة الماضية، عقب جولة لوزير الخارجية التركي، هاكان فيدان، شملت لقاءات مع مسؤولين من دول الخليج، والرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، جرى خلالها الحديث بشكل معمّق عن الأوضاع في سوريا، وذلك بعد أيام من إعلان رئيس الوزراء العراقي، محمد شياع السوداني، بدء وساطة عراقية بين أنقرة ودمشق، ذكرت وسائل إعلام عراقية أنها ستثمر لقاءات بين الطرفين في بغداد.
تبدو الأوضاع في الشمال الشرقي من البلاد أكثر توتراً من شمالها


وفي وقت تتحفّظ فيه تركيا على تسريب أي أنباء إلى الفصائل التابعة لها، وتكتفي بتوجيه بعض الأوامر المتعلقة بضبط الميدان ومنع أي تحركات مناوئة لها في مناطق نفوذها في الشمال السوري، تشير المصادر إلى أن الأجواء الحالية في أنقرة تتشابه إلى حد كبير مع تلك التي كانت سائدة خلال الوساطة الروسية – الإيرانية، والتي رافقتها لقاءات على المستوى الاستخباراتي والعسكري، وحتى السياسي، عبر لقاء جمع وزير الخارجية السوري، فيصل المقداد، ونظيره التركي حينها، مولود جاويش أوغلو، قبيل الانتخابات الرئاسية التركية التي فاز فيها الرئيس التركي، رجب طيب إردوغان. وكانت تلك الأجواء أثارت حالة ترقب شديدة بين الفصائل، التي لمست انقلاب إردوغان على جماعة «الإخوان المسلمين» بعد عودة العلاقات التركية – المصرية، فيما الحديث عن التقارب السوري – التركي يأتي هذه المرة مدفوعاً من جهات عدة، بالإضافة إلى أنه يتزامن مع متغيرات جديدة تتعلق بالأكراد المدعومين من الولايات المتحدة، الأمر الذي قد يعطي تلك الجهود دفعة كبيرة.
وبينما تسود حالة ترقب في الشمال السوري، تبدو الأوضاع في الشمال الشرقي من البلاد أكثر توتراً، وخصوصاً بعد أن أجبرت الولايات المتحدة، «الإدارة الذاتية» التي تقودها «قوات سوريا الديموقراطية» (قسد)، على تأجيل انتخاباتها المحلية التي كانت تنوي إجراءها، إلى آب المقبل. وتسري توقّعات بأن يتم تمديد هذا التأجيل إلى أجل غير مسمى، في ظل إعلان تركيا رفضها القاطع إجراء تلك الانتخابات التي من شأنها أن ترسّخ سلطة الأمر الواقع، علماً أن أنقرة تربط هذه الأخيرة بحزب «العمال الكردستاني» في العراق، والذي جرى توقيع اتفاقية أمنية عراقية – تركية للحد من نفوذه، شكّلت بدورها أرضية لانفتاح عراقي – تركي كبير.
وفي السياق، ذكرت مصادر كردية، في حديثها إلى «الأخبار»، أن القراءات السياسية المتداولة في الأوساط السياسية الكردية، وخصوصاً في «مجلس سوريا الديموقراطي» (مسد)، تتحدث عن أن طريق التطبيع السوري – التركي طويل ولن يصل إلى نهايته بين ليلة وضحاها. وهو ما تحاول «مسد» استثماره للحد من المخاطر المتوقّعة لهذا الانفتاح، الذي سيعني اكتماله إنهاء «الإدارة الذاتية»، سواء عبر عملية سياسية واسعة، أو حتى من خلال معارك يجد فيها الأكراد أنفسهم محاصرين.