أثارت تحركات عسكرية جديدة في إدلب تكهنات عدة في الأوساط «الجهادية» والمعارضة في شمال غرب سوريا، في ظل تزامنها مع الحديث المتزايد عن بدء مرحلة جديدة من الحوار بين أنقرة ودمشق للتطبيع بين البلدين، فيما فاقم غياب «أبو محمد الجولاني»، زعيم «هيئة تحرير الشام» (جبهة النصرة - فرع تنظيم القاعدة السابق في سوريا)، عن المشهد، من حدّة حالة القلق الحاصلة. وتجيء التحركات العسكرية التركية، التي شملت عمليات نقل عتاد وأسلحة واستبدال جنود واستقدام تعزيزات جديدة إلى بعض النقاط التي ينتشر فيها الجيش التركي، بعيد اللقاء الذي جمع وزير الخارجية التركي، حاقان فيدان، بالرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، في موسكو قبل نحو أسبوعين. وفيما لم تتسرب عن اللقاء أي معلومات دقيقة حينها، ذكرت وسائل إعلام تركية، في وقت لاحق، أن النقاش دار في جزء كبير منه حول الأوضاع في سوريا، سواء في الشرق حيث ترى أنقرة أن خطر الأكراد (الذين يقودون الإدارة الذاتية) يزداد في ظل محاولة فرض سلطة الأمر الواقع عن طريق إقامة انتخابات تم تأجيلها إلى شهر آب المقبل، أو في إدلب، التي تمثّل إحدى أكثر النقاط المعقدة في ملف التطبيع السوري – التركي، جرّاء انتشار فصائل مصنفة على قوائم الإرهاب، تربطها بتركيا علاقات وطيدة.وإذ تركّزت التعزيزات العسكرية التركية الجديدة، بشكل كبير، في منطقة جبل الزاوية، ضمن نقاط انتشار للقوات التركية قبالة انتشار القوات السورية، فهي شملت، بحسب مصادر ميدانية، نحو 20 نقطة، الأمر الذي أعاد إلى الأذهان المماطلة التركية المستمرة منذ نحو 4 أعوام في فتح طريق حلب - اللاذقية (M4)، والذي سيطر الجيش السوري على معظمه إثر عملية عسكرية تخلّلتها مواجهات مع القوات التركية - قبل سيطرته أيضاً على طريق حلب - دمشق (M5) عام 2020 -. وكان قد تمّ إثر تلك المواجهات توقيع اتفاقية متممة لاتفاقية «سوتشي» الموقعة بين روسيا وتركيا عام 2018، تقضي بأن يتم فتح «طريق M5» وتأمينه، بالإضافة إلى عزل «الفصائل الإرهابية»، وهو ما لم يتم فعلاً.
ذكرت مصادر «جهادية» أن غياب الجولاني قد يكون مرتبطاً بـ«عملية تسميم متعمّدة تعرّض لها بغرض التخلص منه»


وبينما ربطت مصادر ميدانية التحركات العسكرية التركية في إدلب، والتي شملت مناطق في ريف حلب الغربي أيضاً، بالوساطة السياسية القائمة حالياً، والتي أعلن العراق بذل جهود لإتمامها، تشير المصادر نفسها، في حديثها إلى «الأخبار»، إلى أن ثمة مخاوف واضحة لدى تركيا حول مدى سلامة جنودها في المدة المقبلة، وإمكانية تعرض نقاطها لهجمات من قبل بعض الفصائل «المنفلتة»، ما يبرر هذه التعزيزات، رغم محاولة أنقرة إظهارها على أنها «إجراء روتيني» يتعلق باستبدال القوات. والجدير ذكره، هنا، أن تركيا لم تُجب عن تساؤلات عدة وجّهها إليها قادة الفصائل حول الحديث المتصاعد عن بدء حوار مع دمشق، حسبما أكدته المصادر.
وإلى جانب التحركات العسكرية التركية، زاد غياب أبو محمد الجولاني عن المشهد الإعلامي من حالة القلق، خصوصاً أنه من أكثر الشخصيات «الجهادية» ظهوراً في وسائل الإعلام، ضمن سياسة تسويقه على أنه «رجل سياسي ومعتدل». إذ غاب الجولاني عن الاحتفالات في عيد الأضحى، كما غاب عن لقاءات عدة ذكرت مصادر «جهادية» أنه كان من المفترض أن يشارك فيها، مشيرة إلى أن سبب غيابه «مرتبط بوضعه الصحي المتردي بعد إصابته بأزمة رئوية حادة، قد تكون مرتبطة بعملية تسميم متعمّدة تعرّض لها بغرض التخلص منه». ويأتي هذا في ظل تنامي القوى الرافضة لوجود «الجولاني» في مناطق نفوذه، واستمرار خروج التظاهرات التي تطالب برحيله رغم الحملات الأمنية المستمرة لقمع معارضيه، والتي كان آخرها اعتقال عدد من المتظاهرين، بينهم قياديون منشقون عن «هيئة تحرير الشام»، الجمعة الماضي.