منح قانون تنظيم الدخول إلى لبنان والإقامة فيه والخروج منه (الرقم 173 تاريخ 14\2\2000)، في مادته الـ 17، المدير العام للأمن العام «صلاحية إخراج أي أجنبي من لبنان في حال رأى أن وجوده يشكل ضرراً على الأمن والسلامة العامين، وعلى المدير العام للأمن العام أن يبلّغ وزير الداخلية بهذا القرار». ويُبلّغ قرار الترحيل «إلى الشخص المعني بعد إعطائه مهلة يحددها المدير العام للمغادرة أو بترحيله إلى الحدود بواسطة قوى الأمن الداخلي». هذه الصلاحيات الواسعة المعطاة للمدير العام للأمن العام تفوق صلاحيات السلطة القضائية ورئيس الجمهورية في ما يتعلق بأي أجنبي موجود على الأراضي اللبنانية، كما أن القانون لم ينص على إلزام المدير العام بتعليل قرار الترحيل، فيكون بذلك قد ترك مصير أي أجنبي يخضع لاستنسابية المدير في التعاطي مع كل ملف.قبل بدء الأزمة السوريّة كان الدخول والخروج بين لبنان وسوريا كالتنقّل داخل البلد الواحد، يقتصر على إبراز الهوية على الحدود، ولا يتعدى الإجراءات الروتينية المتعلقة بالتفتيش والتأكد من الأوراق الثبوتية. بعد الأزمة السورية ودخول آلاف النازحين إلى لبنان وتسهيل هذا الدخول لأسباب بدأت إنسانية وتحولت إلى سياسية، تحوّل ملف النزوح السوري عبئاً كبيراً على الدولة اللبنانية لم تعد قادرة على علاجه، ومع كل قرار جديد يصدر عن الأمن العام يتعلق بدخول السورين إلى لبنان وتنظيم أوضاع المقيمين فيه تزداد الإشكاليات المتعلقة بهم تعقيداً.

دور UNHCR
لم يكن التنسيق بين المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين والدولة اللبنانية واضحاً وشابته إشكالات عدة. بحسب المفوضية، يقيم في لبنان نحو 1.5 مليون لاجئ سوري. وتبين أن قسماً لا بأس به من السوريين الموجودين في لبنان منذ ما قبل الأزمة السورية، سُجّلوا كنازحين بهدف الاستفادة من المنح المالية التي تقدمها المفوضية، كما أن عدداً آخر منهم دخل إلى لبنان بعدما تحسّنت الأوضاع الأمنية في سوريا، وليسوا من المناطق التي كانت خارجة عن سلطة الدولة أو تلك التي تشهد توترات أمنية. وقد أدّى تمنّع المفوضية السامية لشؤون اللاجئين عن تسليم الدولة اللبنانية داتا المعلومات الخاصة بالنازحين للتأكد من تاريخ دخولهم، من دون أسباب واضحة، إلى عدم تمكّن الأمن العام من إجراء مسح دقيق لأعداد النازحين، وأدّى بالمديرية العامة للأمن العام إلى إصدار قرارات متلاحقة عقَّدت الأوضاع بدلاً من أن تحلها، ما جعل معظم السوريين المقيمين في لبنان من دون إقامات، ما كانت له انعكاسات سلبية متعددة، منها ارتفاع نسبة الجرائم التي يرتكبها سوريون أو ترتكب بحق سوريين، مستغلين وجودهم غير القانوني في البلاد ما يحد من قدرتهم على اللجوء إلى القضاء أو الأجهزة الأمنية لحمايتهم.

السوريون داخل مراكز الاحتجاز
بحسب وزير الداخلية والبلديات بسام مولوي، تبلغ نسبة الموقوفين السوريين في السجون اللبنانية 35% من إجمالي السجناء، وهذا رقم مرتفع ويشكل عبئاً كبيراً في ظل الأزمات التي تمر بها البلاد. كما لا توجد بين لبنان وسوريا اتفاقية تسليم سجناء، ومن جهة أخرى، تمنع الاتفاقيات الدولية تسليم أي لاجئ إلى دولته إذا كان معرضاً للخطر فيها، فيما هناك عدد من السجناء المطلوبين للدولة السورية لمشاركتهم في أعمال عسكرية على الأراضي السورية يرفضون ترحيلهم إلى سوريا، ويفضّلون البقاء داخل السجون، ما يجعلهم محتجزين إدارياً بعد انتهاء تنفيذ عقوباتهم، ويرتب أعباء على الدولة اللبنانية. وفي المقابل، هناك مئات الموقوفين بجرائم جنحية أو لأسباب تتعلق بعدم امتلاكهم أوراق إقامة قانونية يتم احتجازهم في نظارات المخافر حتى ترحيلهم إلى الأراضي السورية استناداً إلى القانون 173. هذا الإجراء فاقم من المشكلات التي تترتب على هذه القرارات، وخصوصاً بعدما أوقف المدير العام للأمن العام نظام الكفالة الشخصية أو كفالة رب العمل، لم يعد بمقدور السوري أن يبقى في لبنان بشكل شرعي، وبات معظم المقيمين على الأراضي اللبنانية موجودين بصورة غير شرعية.
قرار المدير العام للأمن العام بإبقاء السوري محتجزاً إدارياً لمدة قد تتجاوز في بعض الحالات ثلاثة أشهر مخالف للقانون، ويعدّ التوقيف احتجازاً تعسفياً، كما أن الأمن العام الذي يصر على الترحيل في جميع الحالات ويرفض إجراء تسويات، يعلم تماماً أن من يصدر قرار ترحيله إلى سوريا فيما عائلته في لبنان أو لأنه من مناطق في سوريا خارجة على النظام، سيعاود دخول لبنان خلسة وبصورة غير شرعية، ما يجعل منه عرضة لكل الانتهاكات والاستغلال، وسيزيد من حقده على أجهزة الدولة الرسمية وعلى المجتمع عموماً. وهذا الواقع جعل من الإتجار بالبشر ناشطاً ويدر أرباحاً كبيرة على العاملين فيه على الحدود البرية مع سوريا. إذ يُراوح بدل نقل السوري إلى داخل لبنان عبر الممرات غير الشرعية بين 300 و1000$ للشخص، وهذا الأمر ليس خافياً على الأجهزة الأمنية السورية واللبنانية على حد سواء.

هادي رفض الموافقة على الترحيل
لا خيار للموقوف السوري لأي سبب كان سوى الموافقة على الترحيل إن أراد الخروج من السجن، وفي حال رفض ذلك سيبقى محتجزاً في ظروف قاسية جداً وأماكن غير مؤهلة إلى أن يصدر قرار ترحيله.
هادي، شاب ثلاثيني يعمل في أحد النوادي الرياضية، له عائلة مؤلفة من سبعة أفراد ويقيم في لبنان منذ عشر سنوات، لم يتمكن من تجديد الكفالة التي جاء إلى لبنان بموجبها. ونتيجة الأوضاع السيئة في سوريا، بقي في لبنان من دون أوراق إقامة قانونية. حصل إشكال بسيط بينه وبين أحد الشبان الذي ادعى عليه، فأُوقف على خلفية عدم امتلاكه أوراق إقامة قانونية في نظارة الأمن العام، بانتظار صدور قرار ترحيله إلى سوريا، ورُفض طلب الاسترحام المقدم من وكيله، والذي يتعهد فيه بتسوية أوضاعه القانونية، ودفع ما يترتب عليه من غرامات، لأنه لا يحق للموقوف تقديم طلب استرحام بقرار صادر عن المدير العام للأمن العام، ولا حل أمامه إلا بالترحيل إلى سوريا من دون الأخذ في الحسبان أنه المعيل الوحيد لعائلته التي لا يمكنه نقلها من دون أي ترتيبات إلى سوريا، وخصوصاً أنه من منطقة لا تزال خارجة عن سيطرة الدولة السورية.
صلاحيات المدير العام للأمن العام تفوق صلاحيات السلطة القضائية ورئيس الجمهورية في ما يتعلق بأي أجنبي موجود في لبنان


قرار المديرية العامة للأمن العام بوقف كل أشكال الكفالات الشخصية وكفالات العمل ووقف تجديد الإقامة بموجب عقد إيجار، ومنع اللبنانيين من تشغيل أي سوري مقيم بطريقة غير شرعية تحت طائلة تنظيم محاضر ضبط إدارية وعدلية بحق المخالفين، زاد من الخناق على عدد كبير من السوريين الموجودين في لبنان منذ سنوات طويلة، ويعملون لمصلحة أرباب عمل لبنانيين لا يمكنهم الاستغناء عنهم. فهل يأخذ المدير العام للأمن العام والحكومة اللبنانية هذا الواقع الاجتماعي والقانوني في الحسبان؟ وهل سيبقى الحل مقتصراً على الإبقاء على الموقوفين إدارياً داخل السجون ومراكز الاحتجاز إلى أن ينفذ قرار الترحيل الشكلي، وما هي الخطة بعد عودة المرحّلين عبر المعابر غير الشرعية؟
معالجة هذا الملف بالطريقة التي يتم التعامل بها ستنعكس سلباً على لبنان وسوريا، وسيكون لبنان المتضرر الأكبر لأنه لم يعد يحتمل أعباء إضافية، وفي المقابل لا إمكانية لمعالجة هذا الملف إلا بالتنسيق مع الدولة السورية، فمتى يعي المعنيون أن القرارات الآنية والتي ليست سوى رد فعل على حوادث فردية لن تجرّ سوى مزيد من التعقيدات والإشكالات؟