«مدام أنا ما بقدر اطلع. بخاف كثير بليز مدام»، تتوسل إحدى العاملات في الخدمة المنزلية ربة المنزل من أجل إعفائها من تنظيف النافذة الخارجية للشقة الواقعة في الطابق التاسع. «ومين بده مثلاً يمسح الغبرة على الشباك أنا؟ وخاطر بحياتي؟ على شو جبنا حضرتك؟ طلعي وما تخافي مسّحي منيح الشباك وتهدّي بالدرابزين». مشهد العاملات المنزليات يخطف الأنفاس المارة وهن ينظفن النوافذ الخارجية في الطوابق العليا، ومثله مشهد عمال البناء وتصليح أجهزة التكييف وغيرهم... عمال ومستخدمون ينتظرون وقوع الكارثة في أي لحظة. فعلى من تقع مسؤولية الحفاظ على سلامة العامل؟ وهل عاملات الخدمة المنزلية مشمولات بقانون طوارئ العمل؟ وهل يستفيد العامل غير الشرعي من هذا القانون؟
للعامل غير الشرعي حقوق أيضاً
يوضح المحامي في الاستئناف المتخصّص بقضايا العمل فادي شور لـ«القوس» أنه «بالعودة إلى المادة 2 من قانون العمل اللبناني يتبين أن كل أجير هو من يعمل لقاء أجر عند رب العمل بموجب اتفاق فردي، خطياً كان أم شفهياً. والأجير هو أي شخص طبيعي يتمتع بالأهلية القانونية سواءً أكان رجلاً أم امرأة، راشداً أم حدثاً، شخصاً سليماً أو ذا احتياجات خاصة، لبنانياً أم أجنبياً. لكن نلاحظ عبر المادة 7 أن العمال في الخدمة المنزلية الخاضعين للمواد 624 وما يليها من قانون الموجبات والعقود لا يعدّون أجراء خاضعين لأحكام قانون العمل. إلا أن ذلك لا يعني عدم شمولهم بقانون طوارئ العمل.

أرقام

3 ملايين

هو عدد العمال الذين توفوا نتيجة حوادث وأمراض مرتبطة بالعمل في العالم


395 مليون

هو عدد العمال الذين تعرضوا لإصابات بسبب عملهم في العالم


* المصدر: منظمة العمل الدولية التابعة للأمم المتحدة لعام 2023

جاء مرسوم طوارئ العمل الرقم 136 المعدل بموجب القانون الرقم 220 لينص في مادته الأولى على أن يشمل المرسوم الأجير المرتبط بعقد استخدام بمفهوم المادة 624 من قانون الموجبات والعقود». ويؤكد أن كل شخص (حتى العاملة الأجنبية الخاضعة لنظام الكفالة) يرتبط بعقد استخدام بحسب مفهوم المادة 624 من قانون الموجبات والعقود ويتعرض لأي إصابة أو حادث عمل يستفيد من المرسوم، على أن يشمل الضرر الجسدي المباشر أو الأمراض الناجمة عن ممارسة المهنة، وخصوصاً إذا تم إثبات تقصير صاحب العمل بإجراءات الوقاية والسلامة المهنية. ويضيف أن صاحب العمل يتحمل كامل نفقات العلاج والاستشفاء والتعويض عن العجز المؤقت أو الدائم الذي قد ينتج من الإصابة. ويحذر شور من أنه «إذا تمنّع صاحب العمل عن تحمّل مسؤولية الحادث، من حق الأجير التقدم بشكوى عاجلة لمجلس العمل التحكيمي وهو الجهة المخوّلة للنظر في نزاعات الناتجة من حوادث العمل والأمراض المهنية».
أما بالنسبة إلى مطالبة ورثة الأجير بالتعويض إذا ما تسبب الحادث بوفاة، يقول شور: «وفقاً للمادة 10 من قانون طوارئ العمل، لا يحق لورثة الأجير الأجنبي المطالبة بالتعويضات المنصوص عليها في هذا المرسوم الاشتراعي إذا كانوا مقيمين خارج الأراضي اللبنانية بتاريخ وقوع الحادث. على أن يستثنى من أحكام هذه المادة الأجراء الأجانب التابعون لدولة تمنح اللبنانيين في هذا الموضوع الحقوق نفسها التي تمنحها لرعاياها».
وبالحديث عن الأضرار التي قد يتعرض لها الأجراء نتيجة إهمال أرباب العمل والتي قد تصل إلى وفاتهم بسبب عدم تأمين السلامة العامة، يلفت شور إلى أن قانون العمل اللبناني أوجب على كل مؤسسة أن تكون مهيأة لضمان سلامة الأجراء والالتزام بتدابير الحماية والوقاية الصحية وأن تكون هناك إنارة سليمة وتهوئة، إضافة إلى وجود تدابير وأجهزة حماية من الحريق وأجهزة لشفط الغبار والدخان ووجود مراحيض ومياه صالحة للشرب. ويضيف أنه بحسب القانون، يتوجب على دائرة التفتيش في وزارة العمل، وهي الجهاز المختص لإنذار صاحب العمل في حال عدم الالتزام بتأمين ظروف عمل سليمة، توقيف المؤسسة مؤقتاً. كما يمكن للمحكمة أن تقضي بإقفال المؤسسة في حال لم ينفذ صاحب العمل إجراءات السلامة والوقاية الصحية. ويختم أنه في ما يتعلق بالعمال غير المرخصين وغير المقيمين شرعياً في لبنان، فإن «هذا الفعل المخالف لا ينفي استفادتهم من قانون طوارئ العمل. أي إن رب العمل الذي يستعمل هؤلاء الأجراء أو المستخدمين لاستغلالهم في أصعب الظروف يمكن الادعاء عليه بموجب قانون طوارئ العمل، فاستعماله لعمال غير شرعيين لا يعني عدم محاسبته لتأمين ظروف ملائمة لسلامتهم».

15 مفتشاً لكل لبنان
يؤكد وزير العمل مصطفى بيرم لـ«القوس» أنه «في ظل هذه الظروف التي يعيشها البلد لا تنتشر ثقافة سلامة العمل كما يجب. الأساس والأهم هو زيادة البُعد الثقافي والتوعوي لسلامة العمال ولذلك أهمية وسائل الإعلام في نشر هذه الثقافة كما يجب أن يكون هناك تعاون واسع في هذا المجال مع الوزارة لمدى أهميته وخطورة إهماله».
يضيف أنه في ما يتعلق بالتراخيص للمؤسسات والشركات، «هناك جزء من معاملة الترخيص يتعلق بسلامة العمل والوضع الصحي والأمان المهني، لكن نظراً إلى الظروف الصعبة لم يؤخذ مفهوم سلامة العمل الحيّز الكامل. لدينا اجتماع مع المفتشين ليصبح بند السلامة المهنية أساسي وسيصدر منشور عن وزارة العمل يذكّر المؤسسات بواجبها مراعاة شروط السلامة المهنية والصحية». وهذا، بحسب بيرم، «يعزز الإنتاجية، فعندما يعمل الأجير في ظروف آمنة تتحسّن إنتاجيته».
وعن العمال الأجانب وظروف عملهم الصعبة، شدد بيرم على أن «من الشروط لشركات التنظيفات الإقامة اللائقة للعمال الأجانب. ووضعنا بنداً ضمن معاملة العامل الأجنبي تتضمن تأمين المسكن اللائق له بما يراعي السلامة والصحة. ولأننا نريد التركيز على السلامة، أصبح لكل معاملة في الوزارة بند للتصريح عن الأجير لدى الضمان الاجتماعي وبند عدم توظيفه لغير الصفة المتفق عليها، وتأمين المسكن اللائق له». ويضيف بيرم: «أشترط على المؤسسات وضع تغطية صحية لتأمين الأجراء وهذا شرط أساسي، وأشدد على أن العقود الموقعة مع شركات التأمين يجب أن تكون بسعر صرف الدولار الحالي، وليس بحسب سعر صرف 1,500 ليرة، ووضعت كل ما يجب أن يتم تغطيته من طبابة واستشفاء».

إذا كان العامل غير مرخص وغير مقيم بشكل شرعي لا يحول ذلك دون استفادته من قانون طوارئ العمل


ماذا عن الدور الرقابي لوزارة العمل؟ يجيب بيرم أن «جزءاً من التفتيش الذي تقوم بها وزارة العمل هو التأكد من سلامة العامل. فبالنسبة إلى حادثة المطعم في بشارة الخوري فإن الوزارة تقوم بإعطاء تراخيص للعمال وليس للمؤسسة، وقد قمنا بتشكيل لجنة لوضع تقرير وأصبحت القضية أمام النيابة العامة ولا يمكن استباق التحقيق. كما نشدد على المؤسسات للانتباه إلى سلامة العامل وجعلها من أولوياتها». وعن العامل غير الشرعي، يوضح بيرم أن المسؤولية «لا تقع عليه بل على من يستغل وضعه من أرباب العمل، لذلك حاولت أن أنظم بشكل كبير ملف عاملات الخدمة المنزلية، وأقفلت للمرة الأولى في لبنان مكاتب استقطاب عاملات للخدمة المنزلية ولم أرخص لمكاتب جديدة، وأقفلت ما يزيد على 100 مكتب من أصل 500-600، هذا الإجراء لم يحدث في لبنان سابقاً والهدف منه تنظيم هذا القطاع بالتعاون مع النقابة. ووضعنا قراراً تنظيمياً، وسأتوجه إلى العمل بالطريقة نفسها في ما يتعلق بشركات التنظيف. أما نظام الكفالة فيجب إدخال تعديلات أو إلغاؤه».
يختم بيرم بتسليط الضوء على مشكلة المفتشين داخل الوزارة. إذ «لديّ في وزارة العمل، بكل فروعها، 15 مفتشاً فقط لكل الأراضي اللبنانية. المأزق بنيوي لعدم إمكانية توظيف مفتشين كما أن البدلات زهيدة. نحن بصدد تأمين الإمكانات اللازمة للمفتشين للقيام بعملهم بالكشف عن المطاعم والمؤسسات للتأكد من مدى مراعاتها السلامة المهنية والشروط الصحية».