غزة | عاد جيش الاحتلال إلى حي الشجاعية في مدينة غزة، والذي شكّل على مدى السنوات لعنة بالنسبة إليه، وخصوصاً إلى لواء النخبة «غولاني»، وذلك بعد ستة أشهر من انسحابه منه في كانون الثاني الماضي. ومنذ صباح أمس، بدأت وسائط المدفعية والطيران الحربي بتنفيذ غارات جوية مفاجئة، طاولت الأجزاء الشرقية من الحي الشرقي، فيما زعم العدو أن جهاز الأمن العام «الشاباك» رصد مؤشرات إلى عودة حركة «حماس» إلى التعافي وبناء قدراتها هناك، ما دفعه إلى الدخول مجدداً لتدمير قدرات «كتائب القسام». وقال موقع «يسرائيل هيوم»، بدوره، نقلاً عن مسؤول سياسي، إن عملية الشجاعية هي جزء من «عمليات الاحتياجات» التي ستستمر أينما حاولت «حماس» إعادة فرض سيطرتها. لكن العملية أثارت جدلاً واسعاً في أوساط المحلّلين العسكريين، إذ قالت صحيفة «يديعوت أحرونوت» إنه «في بداية الحرب، كان لواء غولاني واللواء 188 مدرع يعملان في حي الشجاعية الملعون. وبعد ذلك، أعلن الجيش أنه أحكم قبضته على الحي، وأن الفرقة 36 استكملت مهمة تفكيك قدرات حماس الأساسية هناك، واليوم يعود الجيش إلى الحي مرة أخرى».وبدا المشهد الإنساني في الحي صعباً، إذ لم يبعث جيش العدو بأي رسائل إلى العائلات لمطالبتها بالإخلاء تمهيداً لبدء العملية، إنما شرع في هجومه وأجلى الآلاف من الأسر تحت دوي القصف العنيف. وعقب موجة النزوح الأولى، بدأ ضباط الاستخبارات بإجراء اتصالات هاتفية واسعة طالبت الأهالي في أحياء الشجاعية والتفاح والشعف والزيتون، بالنزوح عبر طريق صلاح الدين إلى مناطق جنوب وادي غزة، وهو الأمر الذي لم يستجب إليه أحد. وكان ملاحظاً أن عشرات الآلاف نزحوا إلى أقرب المناطق من منازلهم، أي إلى الأحياء الغربية لمدينة غزة، وتحديداً حيي النصر والشيخ رضوان، ومناطق الرمال والشفاء والوحدة. وقال الحاج أبو محمد أبو العطا، وهو أحد النازحين من الحي، لـ«الأخبار»، إنه «لولا وجود أطفال ونساء معنا في المنزل، لما كنا خرجنا من الشجاعية على رغم القصف العنيف. يطلبون منا النزوح إلى الجنوب. لا والله لن نخرج من شمال القطاع حتى ولو على دمنا».
حالة إحباط يعيشها جنود الاحتلال من تكرّر دخول المناطق ذاتها التي أُعلن «تطهيرها» مرة تلو أخرى


وسط ذلك، ثبّتت الوقائع الميدانية هواجس الاحتلال، إذ ووجه جيش العدو بمقاومة عنيفة جداً. وبدا واضحاً أن فترة الهدوء الميداني من جانب المقاومة، اقتصرت على الساعات الأولى التي ترافقت مع التمهيد الناري العنيف. ومع منتصف الظهيرة، بدأت تتوالى البلاغات العسكرية عن تنفيذ عمليات استهداف وتدمير لدبابات الاحتلال، حيث أعلنت «سرايا القدس» أن مقاوميها فجّروا عبوة أرضية شديدة بحفار عسكري، مقابل مسجد الشهداء شرق حي الشجاعية. كذلك، أعلنت السرايا أن مقاوميها تمكّنوا من تفجير آليتين إسرائيليين قرب مقبرة التوانسة في الحي بعدما وقعت في حقل ألغام أُعد لها سلفاً. ومع ساعات المساء، أبلغ «الإعلام الحربي» التابع للسرايا عن أن مقاوميها تمكّنوا من تفجير عبوة ناسفة من نوع «زلزال» بآلية عسكرية تقدّمت إلى شارع بغداد، كما وزّع «الإعلام الحربي» مقطعاً مصوّراً يوثّق العملية.
بدورها، أعلنت «كتائب القسام» أن مقاوميها دمّروا ناقلة جند من نوع «نمر» بقذيفة «الياسين 105»، ما تسبّب بتفحّمها ومقتل جميع من فيها، فيما ذكرت «كتائب شهداء الأقصى» أن مقاوميها استهدفوا دبابة «ميركافا 4» بقذيفة «آر بي جي». وفي غضون ذلك، قصفت «كتائب القسام» حاجز «نتساريم» المستحدث في وسط القطاع، برشقة صاروخية من نوع «رجوم» عيار 114 ملم، فيما قالت «سرايا القدس» إنها قصفت موقعي «كيسوفيم» و«صوفا» بوابل من قذائف الهاون.
أما المشهد الميداني في مدينة رفح جنوبي القطاع، فلم يكن أقل اشتعالاً، حيث تمكّنت «كتائب القسام» من تفجير دبابتين في محيط الحي السعودي غرب المدينة، وأعلنت الكتائب أيضاً قصف موقع «كرم أبو سالم» العسكري بقذائف الهاون.
أمام تلك الوقائع، يضج الإعلام الإسرائيلي بموجة من الإحباط، من طول مدة الحرب وتعذّر تحقيق الأهداف المعلنة. ونقلت صحيفة «يديعوت أحرونوت» عن زعيم حزب «يسرائيل بيتنا»، أفيغدور ليبرمان، قوله: «نحن نخسر الحرب. والردع الإسرائيلي تراجع إلى الصفر»، فيما أفردت مواقع عبرية أخرى مساحة للحديث عن حالة الإحباط التي يعيشها جنود الاحتلال الذين يخدمون في جبهات القتال، من تكرّر دخول المناطق ذاتها التي أُعلن «تطهيرها» مرة تلو أخرى.