القاهرة | حذفت الصفحة الرسمية للرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، والتي يديرها كل من المخابرات ومسؤولي القصر، في اليومين الماضيين، تدوينات سابقة لتعهدات أطلقها، في محاولة لمحو «أرشيف» من الوعود التي لم يتحقق منها شيء. ويجيء ذلك بعدما استحضر رواد مواقع التواصل الاجتماعي، في الأيام الماضية، عدداً من تدوينات السيسي التي أثارت موجة عارمة من السخرية، وسط تصاعد الغضب الشعبي على الرئيس، يوماً تلو آخر، على خلفية تراجع الأوضاع الاقتصادية والمعيشية، والارتفاع المطّرد في الأسعار، وفي ضوء توجه النظام إلى مزيد من إجراءات رفع الدعم، والتي من شأنها أن تضاعف الأسعار على الفئات الأكثر احتياجاً. على أن انقطاع التيار الكهربائي لمدة 3 ساعات يومياً ليومين، في الأسبوع الماضي، على خلفية نقص إمدادات الغاز، هو الأمر الذي دفع رواد «فيسبوك» إلى استحضار تدوينة للسيسي تحدّث فيها عن إنجازات قطاعي الكهرباء والطاقة وتحويل مصر إلى دولة تصدّر الغاز إلى أوروبا. أيضاً، استعاد الناشطون تدوينات عدة أخرى تضمّنت أحاديثه عن الحريات في أعوام 2016 و2017 و2018، وبداية الإصلاح الاقتصادي، على اعتبار أن القادم سيكون أفضل وناجحاً، وهو ما كان السيسي تحدّث عنه في خلال مؤتمرات الشباب والمنتديات التي نظّمتها المخابرات، ويعيد تكراره اليوم بشكل أو بآخر، متحدّثاً عن «إنجازاته».
إزاء ذلك، أجرى مسؤولون على مستويات مختلفة مناقشات موسّعة خلال الأيام الماضية، خلصت إلى اعتماد رؤية سيتم تنفيذها عبر عدة مسارات. ويمثل المسار الأول في قرار الحذف الكامل من المنصات المختلفة، إلى جانب توجيهات صدرت بالفعل إلى وسائل الإعلام التي تديرها المخابرات، بحذف مقاطع الفيديو الخاصة بالرئيس من حساباتها على مواقع التواصل الاجتماعي ومن منصة «يوتيوب» لتجنب تعرّض الجنرال للسخرية، بعدما صدرت الانتقادات والمقارنات ليس من صحف تصدر في الخارج أو من شخصيات معارضة للنظام، بل من حسابات حقيقية لمواطنين، بعضهم كانوا من المؤيدين لتولي السيسي السلطة إثر الإطاحة بحكم «الإخوان المسلمين» التي صنّفها القضاء «إرهابية».
نُصح الرئيس بتجنب الحديث في الأمور الاقتصادية


أما المسار الثاني، فيتمثل في إطلاق حملة إعلامية وسياسية واسعة النطاق حول 30 يونيو والإطاحة بحكم «الإخوان»، باعتبار ذلك بمثابة «أعظم إنجازات السيسي». وترتكز الحملة على إعادة مشاهد «عنف الإخوان» في الشارع وعبارات القمع والإقصاء التي صدرت على لسان بعض القيادات، وغيرها من الأمور التحريضية، مع إبراز أرقام الموازنة ونسب زيادة الدعم المفترضة بالجنيه المصري والتغاضي عن انخفاض قيمة العملة، فضلاً عن إبراز الزيادات في تقديم الخدمات المدعومة. أيضاً، نُصح الرئيس بتجنب الحديث في الأمور الاقتصادية، مع تكليف رئيس الوزراء، مصطفى مدبولي، فور تشكيل حكومته الجديدة بالحديث بشكل مستفيض عن مخططات ومستهدفات الفترة المقبلة. وتهدف هذه الخطوة إلى تجنب حالات الارتجال التي يقع فيها الرئيس عادة، بالإضافة إلى تخفيف وتيرة الانتقاد لشخصه، مع تحميل الأوضاع العالمية ومسؤولين آخرين مسؤولية الإخفاقات الاقتصادية.
وفي هذا الوقت، لدى الرئيس عدة مشروعات يفترض أن يقوم بافتتاحها بعد إجازة «عيد الأضحى»، وهي افتتاحات ستكون الأولى منذ فترة بما يمنحه فرصة الحديث المباشر على الهواء، في وقت تأخرت فيه هذه الخطوات لأسباب لها علاقة بالغضب من زيادة الأسعار، وسط ترقب زيادة جديدة في أسعار المحروقات خلال عطلة العيد أو قبل منتصف الشهر المقبل على أقصى تقدير. وعلى أي حال، تكشف مخاوف السلطة من التدوينات القديمة للرئيس، الخلل وإخفاقات النظام، وهي مخاوف من شأنها أن تستمر في ظل التوجه إلى تطبيق مزيد من إجراءات التقشف التي تطاول المواطنين بشكل مباشر في غضون العامين المقبلين استجابة لـ«صندوق النقد الدولي»، بعد مماطلة استمرت نحو 8 سنوات.