ضربت إسرائيل، عبر هجمات إلكترونية، محطّات لتعبئة البنزين في إيران، الأمر الذي أربك الإيرانيّين في روتينهم اليومي. مقابل ذلك، ردّت إيران باستهداف خوادم مختلفة في إسرائيل تحوي بيانات شخصيّة وعملية لإسرائيليّين في المؤسّسة العسكرية، إضافة إلى خوادم بيانات أخرى جرى العمل على نشر بعض منها. هاتان الهجمتان، عيّنتان من معركة سيبرانية مستمرّة من دون انقطاع بين الجانبَين، بوتيرة ترتفع حيناً وتنخفض أحياناً، وإن كان واضحاً استعارها في العقد الأخير، وتَحوُّلها، خصوصاً من جانب إسرائيل، من دائرة السرّ إلى العلَن، وهو ما يناقض ماهية الحرب السيبرانية وأهدافها الرئيسة، وتحديداً بين الدول والكيانات الاقتصادية الكبرى المتنافسة أو المتعادية؛ والتي يُعدّ الكتمان جزءاً رئيساً منها. هكذا، تراجعت إسرائيل، في هذا المجال، من مستوى كيان دولتي إلى مستوى الهواة الهاكرز، في ما يستهدف على ما يبدو تسجيل انتصار ما في دائرة العلاقات العامة، مع فوائد محدودة جدّاً في سياق سعي الطرفين إلى الإضرار المادي ببعضهما البعض.وعليه، لا يُعدّ ما يخرج إلى العلن تحت عنوان الهجمات السيبرانية المتبادلة بين إيران وإسرائيل، وتحديداً من ناحية الأخيرة، حرباً بالمعنى الكامل للكلمة، وإن كانت تأثيراتها يُعتدّ بها نسبياً في الوعي الجمعي اللحظوي. هي تبدو أقرب إلى «حرب إزعاجية» ينشط في إطارها الهواة من الهاكرز، لأغراض العلاقات العامة وإثبات الذات. أمّا الحرب بمعناها الحقيقي، فتتعدّى حدود الإزعاج وعرقلة الروتين اليومي في مؤسسة أو مصلحة أو حتى مرفق حيوي ما - وإن كانت في جزء منها تستهدف هذا الأمر -، إلى تحسين قدرة الطرف المُهكِّر على جمع معلومات استخبارية من مستويات مختلفة لدى الطرف المُهكَّر، في إطار جهد استخباري أوسع، يستهدف معرفة قدرات الدولة العدو ونيّاتها العدائية، ومن ثمّ الاستعداد لمواجهتها. وهكذا، فإن ما يَبرز اليوم من هذه الحرب هو الأقلّ أهمية، خصوصاً تلك الهجمات التي تَظهر نتائجها مباشرة ويكون الهدف منها في الأعمّ الأغلب منها، التشويش على روتين الدولة المستهدَفة، في حين أن الهجمات الحقيقية والناجحة هي التي يمكن إخفاؤها وإخفاء نتائجها.
تعتقد إسرائيل أن من شأن الهجمات السيبرانية أن تثير الطبقة الوسطى الإيرانية ضدّ النظام


في حالة العداوة بين إيران وإسرائيل، ينشط الهاكرز الهواة في موازاة الأنشطة الاستخبارية المؤسّساتية لدى الجانبين، إلى حدّ أن الخروق «الإزعاجية» باتت جزءاً لا يتجزّأ من سيبرانية خوادم الطرفَين ومواقعهما. على أن اللافت أخيراً، هو بدء المؤسّسات الاستخبارية الإسرائيلية، قبل أشهر، في منافسة الهواة الهاكرز في الكيان في عمليات الإزعاج تلك. ولعلّ هذا هو أبرز ما يميّز الفصول المتجدّدة من الحرب السيبرانية، والتي تستبطن دلالات عدّة في شأن تموضع طرفَي المواجهة واقتدارهما الفعلي. والحقيقة أن تراجع إسرائيل إلى مستوى الهواة الهاكرز، لم يأتِ من فراغ، بل هو نتاج فذلكة جديدة صادرة عن دوائر القرار في تل أبيب، تشير، بحسب ما سرّبته جهات استخبارية حديثاً، إلى أن «من شأن الهجمات السيبرانية على إيران، ومنها الهجمات ضدّ محطات الوقود، أن تُثير الرأي العام الإيراني، وتحديداً الطبقة الوسطى التي ستهتزّ لديها الثقة بالنظام وتثور ضدّه، وهو أقصر طريق للتخلّص من هذا النظام».
هل وصلت إسرائيل فعلاً إلى اتّخاذ قرار كهذا؟ جميع المؤشّرات إلى الآن تؤكد ذلك، مُظهّرة في السياق عدّة دلالات أبرزها ما يلي:
1- فقدان إسرائيل الأدوات والوسائل العنفية التي تمكّنها من تحييد مواضع التهديد الإيراني المتشكّل، أو ذلك الذي يبدو في طور التشكّل.
2- فقدانها، أيضاً، القدرة على تفعيل خيارات بديلة، من شأنها أن تؤدي إلى النتيجة التي كانت تأمل بها، لو كان لديها خيار عسكري ذاتي ناجع.
3- فقدان القدرة، وإن بعد محاولة ودفع تحريضي كبيرَين، على التأثير في قرار الإدارة الأميركية المنكفئة عن تفعيل الخيارات العسكرية ضدّ إيران أو حتى التهديد بها، لأسباب ودوافع ذاتية واستراتيجية يصغر في موازاتها أيّ تحريض إسرائيلي.
من هنا، تلهف القيادتان السياسية والأمنية في تل أبيب إلى تحقيق «شيء ما»، في سياق العجز عن تحييد التهديد الإيراني المتعاظم، والذي يكتسب أبعاداً وجودية بالنسبة إلى إسرائيل. وفي سبيل إنجاز هذا التطلّع، يجري توسيع مهمّة الاستخبارات الإسرائيلية، كي تُسجّل إنجازات، ولو بحدود العلاقات العامة، ضدّ الإيرانيين، بما يؤدّي، ربّما، إلى التخفيف من وطأة الفشل وتأثيره داخل الكيان العبري نفسه، قبل أعدائه.