بدأت الولايات المتحدة نقل عدد من مواطنيها، من عائلات تنظيم «داعش»، من «مخيّم الهول» إلى بلادهم، في خطوة يبدو أنها شجعت أيضاً دولاً أوروبية على السير بها. وتشكّل الخطوة الأميركية الإعلان الرسمي الأول من نوعه منذ تأسيس المخيّم - الذي يستضيف عائلات التنظيم المتطرّف - في عام 2014، فضلاً عن كونها تمهّد لتفكيك «الهول»، علماً أن واشنطن اكتفت، طوال السنوات الماضية، بتوجيه دعوات إعلامية إلى العواصم المعنية لسحب رعاياها، فيما امتنعت هي عن استعادة مواطنيها، ما شجّع دولاً كثيرة على عدم التعامل بجدّية مع الملفّ المذكور.وفي إطار ما يبدو أنه تحوّل في التوجهات الأميركية، بدأ سحب الرعايا الأجانب، ومن بينهم أميركيون، بالتوازي مع إجلاء عائلات عراقية وسورية. وجاء في بيان صدر عن وزارة الخارجية الأميركية، مطلع الشهر الجاري، أنه تمّت «إعادة 11 مواطناً أميركياً، من بينهم خمسة قاصرين، بالإضافة إلى طفل غير أميركي شقيق لأحد الأطفال، ليكون إجمالي العدد 12». ووفق البيان، فإن «الولايات المتحدة سهّلت أيضاً عملية إجلاء 6 مواطنين كنديين، و4 مواطنين هولنديين، ومواطن فنلندي، بينهم 8 أطفال، إلى بلدانهم». وسبق عملية الإجلاء هذه، إنهاء أوزبكستان سحب رعاياها كافةً من «مخيم الهول»، ونقلهم - بمساعدة الحكومة السورية - إلى بلدانهم، باستثناء عدد محدود رفض العودة. وفي الـ 24 من أيار الجاري، أعلنت «الإدارة الذاتية» الكردية تسليم امرأة و4 أطفال من رعايا المملكة المتحدة في «مخيم الهول» في ريف الحسكة، إلى الممثلة الخاصة للمملكة، آن سنو، لنقلهم إلى بلدهم. وكان العراق قد أنهى، اعتباراً من مطلع العام الجاري، نقل دفعتين من مواطنيه إلى مخيم جدعة في الداخل العراقي، تعدّان 345 عائلة مكوّنة من 1294 فرداً.
يَظهر من البيان الأخير للخارجية الأميركية أن واشنطن بدأت تفكّر في تفكيك التعقيدات المحيطة بوجودها العسكري في سوريا


ويَظهر من البيان الأخير للخارجية الأميركية، أن واشنطن بدأت تفكّر في تفكيك التعقيدات المحيطة بوجودها العسكري في سوريا، والذي يرتبط، في جزء منه، بملفَّي مخيّمات وسجون عائلات وعناصر تنظيم «داعش». ويبدو أن مردّ هذا التوجه اقتناع أميركي بأن الحلّ الأمثل لإنهاء الجدل الحاصل داخل الولايات المتحدة حول مستقبل الوجود العسكري في سوريا والعراق يتمثل في إعادة النساء والأطفال المحتجزين في «مخيم الهول» وغيره من المخيّمات، وترحيل مَن يشتبه في انتمائهم إلى «داعش» إلى بلدانهم الأصلية. كما أن الرؤية الأميركية الجديدة ربما تكون ثمرة الاجتماعات المتكرّرة مع العراقيين، لإيجاد آلية لجدولة الانسحاب الأميركي من بلاد الرافدين، بعد تلقّي واشنطن طلباً عراقياً رسمياً بذلك. وبرز دعم بغداد بلورة تلك الآلية، من خلال تجديد مستشار الأمن القومي العراقي، قاسم الأعرجي، دعوة «الدول التي لها رعايا من عوائل داعش من مخيم الهول إلى سحب مواطنيها، تمهيداً لإغلاق المخيم الذي يقع قرب الحدود العراقية»، وإعلانه أنه «بعد جهود العراق المستمرّة، بدأت 24 دولة بسحب رعاياها، من بينها روسيا التي سحبت أخيراً 32 طفلاً تتراوح أعمارهم بين 5 و17 عاماً».
من جهتها، تؤكد مصادر مطّلعة على ملف «مخيم الهول»، في تصريح إلى «الأخبار»، أن «الولايات المتحدة بدأت بالفعل الضغط بشكل أكبر لتخفيف الأعداد الموجودة في المخيم للدفع نحو تفكيكه بشكل نهائي»، مشيرة إلى أن «وتيرة سحب الأجانب والسوريين والعراقيين باتت أسرع في الشهرين الأخيرين». وكشفت المصادر أن «المعلومات المتداولة في المخيم تؤكد وجود قرار مشترك بين الأميركيين وقسد بضرورة إخراج العائلات السورية قبل نهاية العام الحالي، وإنهاء عمليات إخراج العائلات العراقية قبل نهاية عام 2025، وفق تفاهمات مع بغداد». وبيّنت أن «عمليات الإجلاء من مخيم الهول تتوازى مع نقل عناصر من السجون أيضاً، وخاصة من الجانب العراقي، وبشكل غير معلن». وقدّرت المصادر أن «التطورات الجديدة تكشف عن رغبة واشنطن في التخلص من ملفَّي السجون والمخيمات، للبتّ في مصير القوات الموجودة في سوريا والعراق بشكل منفصل عن هذه القيود»، مشيرة إلى أن «الضغوط العراقية تتزايد لاتخاذ خطوات عملية في شأن سحب الوجود الأميركي في المنطقة»، مرجّحة أن «زيارة رئيس الوزراء العراقي لواشنطن كان لها دور في اتخاذ الأخيرة خطوات إضافية نحو تشجيع الدول على سحب رعاياها من المخيّمات والسجون».