غزة | تنبئ الحالة التي خرج عليها الأسير بدر دحلان من سجون العدو، بمستوى التعذيب النفسي والجسدي الذي تعرّض له؛ إذ بدا ابن الـ 30 عاماً، محملقاً بملء عينيه، بينما يتحرك على نحو غير متزن ويقدّم إجابات غير مفهومة، بعد أن قضى شهراً واحداً في السجون. وتحكي ملامح دحلان وسلوكياته غير السوية، عن التنكيل الوحشي والانتقامي الذي يعامل به أسرى قطاع غزة على وجه التحديد. وقبل عشرين يوماً، أفرجت سلطات الاحتلال لأول مرة عن 24 أسيراً كان قد اعتُقل معظمهم من جنوب القطاع، إلى شماله، وتوفرت لنا فرصة مجالسة ستة من هؤلاء الذين أُبعدوا قصراً عن منازلهم في الجنوب، بعدما أُجبروا على الخروج من بوابة موقع «زيكيم» العسكري شمال بلدة بيت لاهيا، وانتهى بهم المشي لساعات طويلة إلى مخيم الشاطئ. بدر النجار، هو واحد من هؤلاء، اعتقله جيش العدو بعدما حاصر أحد مراكز الإيواء في بلدة عبسان شرق مدينة خانيونس. يعمل الشاب، الذي لم يغادر العشرينيات من العمر بعد، بائعاً للترمس والفول المسلوق، وهو قضى في سجون الاحتلال نحو 5 أشهر. يقول في حديثه إلى «الأخبار»: «يتعامل جيش العدو مع كل من يعتقله من غزة، على أنه منتم وفاعل في «حركة حماس»، سواء كان بعمر الـ10 سنوات أو الثمانين»، لافتاً إلى أن «الضرب هو روتين يومي، ضربونا بالقضبان الحديدية، وبأعقاب البنادق، وبمخارز من بلاستيك مقوى تحفر في الجسد والأقدام». ويضيف: «لم يبقَ شبر من أجساد الأسرى إلا وغرزت فيه الجراح، ناهيكم عن الشتائم والإذلال، وعن الحرمان من العلاج ودخول الحمام لأيام».
المعتقلات المستحدثة لا تخضع لأي نوع من الرقابة الدولية أو حتى رقابة مؤسسات دولة الاحتلال

ووفقاً لشهادة أسير آخر فضّل عدم الكشف عن هويته، فإن «الأسرى يشبحون وقوفاً أو وهم يجلسون القرفصاء لأيام طويلة». ويقول الأسير، في شهادته إلى «الأخبار»، إن «عدداً من الأسرى لا تقوى أجسادهم على تحمل التعذيب، فاستشهد عدد كبير منا». ويتابع: «نحن لم نرَ بعضنا لشهور، ننام ونصحو ونأكل معصوبي العينين. لا توجد رقابة على سلوك الجيش والمجندات، التعذيب تسلية يومية بالنسبة إليهم». ويضيف، في كلام وصفه بـ«المحرج»، أن «جنود الاحتلال يقيّمون كل من يظهر ندية وصموداً في وجه التعذيب، فيأخذونه إلى مكان بعيد عن الأسرى، ويجلسونه أمام مجندات يكشفن عن أجزاء حساسة من أجسامهن، ويجبرونه على الضحك، وهم يمسكون بالقرب منه القبضان الحديدية وأعقاب البنادق والكلاب المتوحشة، بينما تصور الكاميرا مشهداً كاذباً، ليصار إلى تهديده بنشر المقطع المخلّ، ثم يتخذونه محلاً للسخرية في كل صباح ومساء».
وأمام ما تقدّم، لم يكن غريباً ما نقله المحامي خالد محاجنة الذي زار معتقل «سديه تيمان» الذي أقامه جيش العدو خصيصاً لأسرى غزة في النقب، إذ نقل المحامي جزءاً من ممارسات الاحتلال بحق الأسرى على لسان الزميل الصحافي محمد عرب، الذي ذكر أن «الأسرى في هذا المعتقل مقيدون طوال 24 ساعة، وممنوعون من الاستحمام»، لافتاً إلى أن «السجانين أقدموا على اغتصاب عدد من الأسرى أمام زملائهم، واعتدوا على آخرين جنسياً»، فضلاً عن «قيام الأطباء في السجن بإجراء عمليات استخراج الرصاص والشظايا من أجساد الأسرى وحتى بتر أطراف بعض المصابين من دون تخدير». كما أكد «عرب الذي اعتقله جيش العدو خلال توغله الأخير في «مستشفى الشفاء»، ولم يكن يعرف أين هو»، وأن عدداً من المعتقلين قُتلوا جراء التعذيب القاسي. وكان جيش العدو قد فرض سياسة الإخفاء القسري على الأسرى الذين يعتقلهم من القطاع، وحجزهم في سجون تابعة لـ«ذمة الجيش»، علماً أن تلك المعتقلات المستحدثة لا تخضع لأي نوع من الرقابة الدولية أو حتى رقابة مؤسسات دولة الاحتلال، وأعطي سجانوها تفويضاً كاملاً بممارسة أعلى مستويات الإذلال والتعذيب بحق أسرى القطاع.