رام الله | يعيش الفلسطينيون، في هذه الأيام، تحولات دراماتيكية، تنقلب فيها حياتهم رأساً على عقب كل حين؛ فبدلاً من أن يحتفي الأخ بزواج أخته ويزفها إلى عريسها، تجد العروس نفسها وهي تشيع شقيقها شهيداً، ويداها مخضبتان بالدم بدل الحناء، على غرار ما حدث في مدينة نابلس، الإثنين. إذ بعدما توجّه الشاب آدم فراج، المقاوم ذو الـ23 عاماً من مخيم بلاطة للاجئين، إلى قاعة الأفراح القريبة من المخيم ليشارك شقيقته التي تُزف عروساً، فرحة مسروقة من الزمن، حاصرت قوات الاحتلال القاعة، ليحاول فراج الانسحاب من المكان عبر سطح البناية حيث تعرض لإطلاق نار استشهد على إثره، بحسب ما أفادت به مصادر محلية. وأظهرت مقاطع مصورة التقطها مواطنون، فراج وهو ملقى أرضاً على السطح، ثم وصول قوة من جنود الاحتلال قامت بسحل جثمانه بشكل عنيف، واحتجازه. وأتى الاغتيال في سياق عملية عسكرية وحشية بدأتها قوات الاحتلال في نابلس، الإثنين. فبعد اغتيال فراج، دفعت بتعزيزات عسكرية إلى محيط شارع القدس (مدخل مدينة نابلس) ومخيم بلاطة، حيث أطلق جنود العدو الرصاص الحي بشكل مكثف تجاه المواطنين، الأمر الذي يفسر عدد الإصابات الكبير في صفوف هؤلاء (10 إصابات بعضها خطيرة)، فضلاً عن استشهاد الشابين معتز النابلسي وأحمد الخضر. وقال جيش الاحتلال إن الشهيد فراج يعد «أحد كبار المطلوبين» له، وإنه المستهدف من العملية التي شاركت فيها عشرات الآليات العسكرية، وتحولت إلى مواجهة شرسة مع المقاومين في محاور عدة، استمرت لأكثر من ساعتين، وتخللها تفجير عشرات العبوات الناسفة.
والجدير ذكره، هنا، أن فراج الذي وُلِد في «بلاطة»، وهو الشقيق الأصغر لأربعة أبناء، كان قد تعرض للاعتقال في وقت سابق لمدة 6 أشهر، قبل أن يصبح مطارداً من قبل قوات الاحتلال التي داهمت منزل عائلته أكثر من مرة، وأجرت عمليات تفتيش كبيرة بحثاً عنه، كما ضيَّقت على أفراد العائلة خلال تنقلهم عبر الحواجز العسكرية، حيث كانت تحتجزهم لساعات للضغط على ابنهم لتسليم نفسه. ومع ذلك، أصر فراج على سلوك الطريق الذي سار عليه والده، والذي سبقه في طريق الشهادة؛ فأبوه هو صلاح الدين فراج الذي استشهد عام 2002 خلال اجتياح الضفة أو ما يعرف بعملية «السور الواقي». ونعت «كتائب شهداء الأقصى - شباب الثأر والتحرير»، في بيان رسمي، الشهيد فراج، واصفة إياه بـ«القائد المقاتل البطل»، الذي استُشهد على إثر عملية «اغتيال جبانة». وأكدت أن «عمليات اغتيال قادتنا ومقاتلينا لن تزيدنا إلا إصراراً على القتال وتمسكاً بخيار المقاومة حتى النصر أو الشهادة»، متوعدة الاحتلال بـ«دفع ثمن التنكيل بالشهداء»، وداعية المقاومين في الضفة إلى «حمل السلاح وضرب المحتل».
تتجه أنظار الفلسطينيين إلى مدينة القدس، التي ستشهد اليوم «مسيرة الأعلام» السنوية


ومع مرور ساعات على العملية في نابلس، استهدف العدو، فجر الثلاثاء، شابين كانا في مركبة بالقرب من حاجز «نيتساني عوز» (حاجز 104) العسكري غرب طولكرم، بعدما كانت قد كثّفت قوات الاحتلال انتشارها في محيط المستوطنات القريبة من طولكرم، منذ أيام، على خلفية عمليات المقاومة المستمرة التي تستهدف المستوطنات هناك. ونعت «كتائب شهداء الأقصى - شباب الثأر والتحرير»، أيضاً، الشهيدين المقاومين أحمد رجب وعبد الفتاح جبارة (من مخيم طولكرم) اللذين استهدفهما الاحتلال، كاشفة أنهما استشهدا أثناء تنفيذهما عملية إطلاق نار على حاجز «نيتساني عوز»، ومؤكدة إيقاعهما خسائر في صفوف العدو. وأفادت مصادر محلية، بدورها، بأن قوات الاحتلال أطلقت النار صوب المركبة التي كان يستقلّها الشابان عند الحاجز، ومنعت مركبات الإسعاف من الوصول إلى المكان. وعلى إثر ذلك، اقتحم جيش العدو الحي الغربي لمدينة طولكرم، وتمركز على طول الشارع، ونشر القناصة في المنطقة، وبالقرب من محيط مصانع «جيشوري» غرب طولكرم، فيما أعلن وزير الحرب، يوآف غالانت، تشكيل فرق تدخل من سكان المستوطنات وخريجي الوحدات القتالية للانتشار على خط التماس مع طولكرم.
على خط موازٍ، شنت قوات الاحتلال حملة اقتحامات، فجر الثلاثاء، في مناطق متفرقة في الضفة، تركزت في مدينتي نابلس وقلقيلية، واستهدف خلالها مقاومون، جنود العدو، بعبوة متفجرة محلية الصنع وسط قلقيلية، كما أطلقوا الرصاص على الاحتلال في أكثر من محور. كذلك، أضرم مستوطنون النار في حقول المواطنين في غير منطقة، وهاجموا مركبات الفلسطينيين، فيما شرعت جرافات العدو في هدم منشآت سياحية وخيام ومساكن وسلال حجرية في قرية دوما جنوب نابلس. وفي وقت يواصل فيه جيش الاحتلال ملاحقة منفذ عملية «عورتا»، ذكرت صحيفة «يديعوت أحرنوت العبرية» أن المنفذ سلم نفسه للأجهزة الأمنية الفلسطينية، لكن الأخيرة أطلقت سراحه بعد ساعات، عقب اتصالات بين الجانبين، وخشية من اقتحام الجيش الإسرائيلي لمقار الأجهزة. ولفتت الصحيفة إلى أن ما جرى أثار القلق على «التعاون الحساس» بين السلطة الفلسطينية وإسرائيل، خاصة أن ضغوطاً مورست على الأجهزة الأمنية لعدم تسليمه كي لا يُنظر إليها كمتعاملة مع إسرائيل.
في هذا الوقت، تتجه أنظار الفلسطينيين إلى مدينة القدس، التي ستشهد اليوم «مسيرة الأعلام» السنوية، بعدما سمحت شرطة الاحتلال للمستوطنين بتنفيذها، وحشدت قرابة الـ4 آلاف من عناصرها لحماية آلاف المستوطنين المتوقع مشاركتهم في المسيرة التي ستمر من وسط القدس حتى حائط البراق، مروراً بأبواب البلدة القديمة وأزقتها، فيما تحرض «جماعات الهيكل»، المستوطنين، على تنفيذ اقتحام جماعي واسع للمسجد الأقصى، بالتزامن مع المسيرة، داعية إلى اصطحاب الأعلام الإسرائيلية لرفعها داخل المسجد أثناء الاقتحام.