تفتتح تونس، اليوم، صفحة جديدة من تاريخها، مع إجرائها استفتاءً سيحدّد مسارها ومصيرها لفترة طويلة: فإمّا تثبيت دعائم حُكم الرئيس قيس سعيد مع ما يعنيه من أوتوقراطية غير مكبَّلة بأيّ قيود، وإمّا مرحلة مجهولة المعالم سيشتدّ فيها الصراع السياسي، فاتحاً الأبواب على سيناريوات قاتمة لم تَعُد لدى التونسيين طاقةٌ على مواجهتها. وإذا كان السيناريو الأوّل هو المرجّح، فإن أسئلة كثيرة تقفز إلى الواجهة معه حول خُطط سعيد للمرحلة المقبلة، بل وخُطط من سيأتي بَعده، والذي سيستفيد حتماً من دستور، وإن كان لَه ما لَه، إلّا أنه يعيد التأسيس للديكتاتورية التي ظنّ التونسيون أنهم طووا صفحتها عام 2011. على أن البديل من هذا الخازوق ليس متوافراً، بل إن القوى والشخصيات السياسية تكاد لا تجتمع إلّا على رفض الوضع الاستثنائي وما آل إليه، فيما تتنازعها خلافات عميقة تجعل من العسير تَوقّع اتفاقها على أيّ شيء، والأهمّ أنها منبوذة من قِبَل شريحة واسعة من الشعب، باتت ترى فيها المسؤول الأوّل عن إفساد الحياة الديموقراطية، ورهْن الدولة ورعاياها لمصالح لوبيّات الفساد واللصوصية. ومن هنا، يبدو أن قسماً لا يُستهان به من التونسيين سيقف اليوم موْقف المتفرّج، في ظلّ نفور متنامٍ من الفعل السياسي، بينما سيُركزّ الخارج نظره على النتائج، وسط ميْل لدى الكثير من أطرافه إلى تفضيل الاستقرار، وإن غلّف خطابه بلبوس ديموقراطي، هو من عُدّة الضغط في هذا الاتجاه أو ذاك.