«لم أُعطِها شيئاً/ و لم أترك لها أثراً يدلُّ دَمَ القتيل/ على بقايا الدَّمِّ في كفيّ قاتلهِ/ وما شَهِدَ الغريبُ على فراري/ من جنازتها/ ولا انتبه القريبُ/ قد كنتُ أعرفُـني/ وأعلم ُ أنني عنبٌ بلا أعنابْ/قد كنتُ أعرفُها/ فكيف غدوتُ/ فنجاناً لقهوتها/وصرتُ - لمائها - الأكوابْ؟/ وبأي عينٍ أبصرَتْ ظلِّي/ يفرُّ مكللاً بهزائم الأسفارِ/من أفقٍ إلى شفقٍ/ ومن راحٍ إلى ريحٍ/ وخيمتُه الهُبوبُ؟/و بأي سرٍّ أمسَكَتْ قلبي/ وسارت في ضبابِ العُـمْـرِ/ صوبَ يباس أمتعتي/لتوقدَني نواقيسُ البريد/ «بطيفِ صورتِها»/ وتحضُنـَني الذنوبُ!!» غيّب الموت الشاعر والناقد والروائي السعودي علي الدميني (1948) الذي طرح نفسه كرائد للحداثة الشعرية في القصيدة السعودية الحديثة في مجموعاته «رياح المواقع»، و«بياض الأزمنة»، و«خرز الوقت» و«بأجنحتها تدق أجراس النافذة» التي اختط صاحبها نهجاً متفرداً لنفسه على خارطة حداثة بدأت بواكيرها مع ناصر أبو حيمد وفوزية أبو خالد وسعد البواردي وحسن عبدالله القرشي، وعبدالله العثيمين في منتصف القرن الماضي، ثم تعمقت في جيل السبعينيات وقد تأصلت ثقافياً على يد مجموعة من الكتاب والنقاد أمثال: محمد العلي وسعد البازعي وعبدالله الغذامي لتقوم للقصيدة النثرية مرافعتها الثقافية في قلب مجتمع محافظ في انحيازه للقصيدة الموزونة. كان الدميني القائم على ملحق «المربد» الثقافي الشهير في الثمانينيات في صحيفة «اليوم» أحد من تكفلوا بإعطاء هذه القصيدة منبراً ومختبراً للمغامرة والتجريب. كما ساهم مع كوكبة ممن عرفوا بمثقفي «المنطقة الشرقية» في إنشاء مجلة «النص الجديد» الطليعية في الدمام التي أتاحت الفرصة لتجارب جديدة «مشاغبة» ومختلفة على خارطة الشعر السعودي سنعرف منها في ما بعد: أحمد الملا وصالح زمانان وغسان الخنيزي وعلي عاشور ومحمد الثبيتي وغيرهم. كانت للدميني إسهاماته الروائية، فأصدر «الغيمة الرصاصية» و«أيام في القاهرة وليال أخرى»، اضافة الى مسيرة طويلة في النقد والمطالبة بحقوق الإنسان والمساواة والانحياز لقضايا الإنسان. في مطلع سيرته الذاتية الموجزة بعنوان «لست وصياً على أحد»، التي خص بها علي الدميني موقع «جهة الشعر» الذي أشرف عليه الشاعر قاسم حداد قبل توقفه منذ فترة وجيزة يقول في ما يشبه الوداع: «يمكن لي أن افتح الشباك الآن على سنوات العمر، لكن يلزمني الكثير من الوقت، والكثير من العباءات السوداء لأقيم الحداد عليها. أما اذا اضطررت الى الانصاف، فأستدرك بالقول إنّها لم تكن خاوية الى ذلك الحد، ولكنها كانت ملأى بأجنحة الأحلام المنكسرة والمتع المجهضة والحكايات الكبرى المتكئة على كراس لا مقاعد لها». هكذا يرثي الشعراء أنفسهم فيرق الموت في الكلمات: «هكذا دون وهمٍ ولا ادعاء/دون مرثيةٍ لامعةْ/يتقدّم نحوي هواءٌ من القشّ أبيضَ/يلمس شَعْري،/ويعْلَق كالثلج فوق جفوني»