في خطوة وقحة وغير مسبوقة، هدّد وزير خارجية العدو الإسرائيلي اسرائيل كاتس الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس في رسالة رسمية وجهها اليه الأربعاء الفائت (سُرّبت نسخة منها إلى صحيفة اسرائيلية). ورداً على تحذير غوتيريس من خطر المجاعة في غزة، توجّه إليه كاتس بالقول: «سيحكم عليك التاريخ بسبب الوصمة الأخلاقية التي تحمّلتها الأمم المتحدة خلال فترة ولايتك».اتّهم كاتس غوتيريس بتشويه البيانات المتعلقة بـ«المساعدات التي تقدمها إسرائيل لقطاع غزة» ونشرها بشكل انتقائي «بهدف تضليل الرأي العام العالمي». وادّعى ان هناك تناقضات بين تقارير الأمم المتحدة والبيانات التي تحدد عدد شاحنات المساعدات، وطالب الأمم المتحدة بتصحيح المعلومات {الخاطئة} وإصدار اعتذار رسمي عن «نشر بيانات غير كاملة تشوه الواقع على الأرض». علماً ان عدد شاحنات المساعدات التي يزعم العدو انها دخلت الى القطاع منذ ثمانية أشهر يزيد على 13 الف شاحنة، ولا يوجد مصدر دولي أو تقرير رسمي صادر عن المنظمات الانسانية يتوافق مع هذه المزاعم.
قبل عرض السبب الأساسي الذي دفع وزير خارجية العدو الى توجيه رسالة التهديد الى غوتيريس، لا بد من الإشارة الى انه حاول صياغتها بشكل احتيالي يظهر الكيان الإسرائيلي كدولة تحترم حقوق البشر، بينما لا يُخفى على احد في العالم اليوم حجم الاجرام والقتل والتعذيب والتجويع الذي فرضه على اكثر من مليوني انسان محاصرين في بقعة من الأرض لا تزيد على 360 كلم2. تماماً كما يفعل نتنياهو عندما يقول ان «الجيش الإسرائيلي هو الأكثر أخلاقية في العالم» بينما تنتشر صور ضباط وعسكريين إسرائيليين يرتدون ملابس داخلية نسائية سرقوها من بيوت المدنيين الذين هجّروهم منها أو قضوا عليهم.
حسم كاتس بأن هدف غوتيريس هو «تضليل الرأي العام» من دون أن يحدد الأسباب او الدوافع (علماً ان بإمكاننا التكهن بأن العدو الإسرائيلي سيزعم ان أساس الدوافع هو معاداة السامية لأن ذلك ينطبق، بالنسبة اليه، على كل من يطالب بوقف الإبادة الجماعية في غزة). لكن لعل الأهم، هو تحديد دوافع كاتس لتهديد غوتيريس، وهي مبنية على حسابات إسرائيلية ومتعلقة بقرار صدر عن مجلس الامن الدولي عام 2018 (القرار رقم 2417). وجاء في نص القرار الذي وافق عليه جميع أعضاء مجلس الامن، بما في ذلك لـ«إسرائيل» (الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وفرنسا) ان المجلس «يدين بشدّة استخدام تجويع المدنيين كأسلوب من أساليب القتال، وهو أمر محظور بموجب القانون الدولي الإنساني» و«يدين بشدّة المنع غير القانوني من إيصال المساعدات الإنسانية وحرمان المدنيين من المواد التي لا غنى عنها لبقائهم على قيد الحياة، بما في ذلك تعمّد عرقلة امدادات الإغاثة». ولا يكتفي المجلس بالإدانات، بل «يشير الى أن المجلس يتخذ، ويمكن ان ينظر في اتخاذ، تدابير جزائية (...) يمكن تطبيقها على الأفراد أو الكيانات ممن يعرقلون إيصال المساعدات الإنسانية والحصول عليها وتوزيعها». وفي الفقرات 11 و12 و13، يطلب مجلس الامن من الأمين العام «تقديم معلومات عن الحالة الإنسانية والاستجابة لها بما في ذلك بشأن خطر المجاعة وانعدام الأمن الغذائي»، ويطلب كذلك منه «أن يبلّغ المجلس بسرعة عند حدوث خطر مجاعة»، ويعرب مجلس الامن عن «اهتمامه الكامل للمعلومات التي يقدمها الأمين العام لدى اطلاعه على تلك الحالات».
فهل ينجح وزير خارجية العدو في ترهيب أنطونيو غوتيريس؟ وبالنسبة للاسرائيليين الا يكفي ما نشرته صحيفة «غارديان» البريطانية عن تهديدات الموساد لقضاة المحكمة الجنائية الدولية؟ هل سيحتاج الموساد الى مزيد من التهديد والوعيد لكل رجل ابيض يجرؤ على الاعتراض على استمرار إبادة الشعب الفلسطيني في غزّة؟