القاهرة | بعد يوم من الظلام الدامس عاشته مختلف مناطق مصر، أثار غضباً شعبياً صاحبه قطع طريق واحتجاجات في عدد من القرى خلال اليومين الماضيين، خرج رئيس الوزراء، مصطفى مدبولي، أمس، ليعلن عن «خطة طارئة» لتوفير الوقود اللازم لتشغيل محطات الكهرباء، إثر إعلان الرئيس عبد الفتاح السيسي عن توجيهات إلى الحكومة من أجل التعامل مع الأزمة. وكان سُجّل أول من أمس تمديد فترات انقطاع التيار الكهربائي لما لا يقل عن 5 ساعات في بعض المناطق، بعدما كان يفترض أن لا تتجاوز المعدل المعتاد، خصوصاً خلال موجة الحر. ودفع ذلك المواطنين إلى الاحتجاج في المدن الأكثر حرارة في جنوب مصر، ومن بينها أسوان التي وصلت فترات الانقطاع فيها إلى أكثر من 8 ساعات، وسط درجة حرارة تجاوزت 45 مئوية. واعتذر مدبولي، في مؤتمر صحافي، إلى المواطنين عن انقطاع التيار الكهربائي، معلناً استمرار الانقطاع لـ3 ساعات يومياً حتى نهاية الأسبوع الجاري، ولمدة ساعتين يومياً اعتباراً من بداية الشهر المقبل، في خطوة تعكس إرباكاً حكومياً واضحاً، وتترافق مع تعليمات أمنية إلى وسائل الإعلام الحكومية بإبراز الغضب الشعبي والعمل على احتوائه. وأضاف مدبولي أن مصر ستحتاج إلى استيراد ما قيمته نحو 1.18 مليار دولار من زيت الوقود والغاز الطبيعي، فضلاً عن استيراد 30 ألف طن من المازوت بتكلفة 180 مليون دولار تصل تباعاً، لحل مشكلة العجز في محطات الكهرباء، بما يسمح بانتظام التيار الكهربائي بشكل كامل بحلول الأسبوع الثالث من تموز المقبل. أيضاً، تحدّث رئيس الحكومة عن زيادة المخصصات المالية لاستيراد المحروقات من الخارج عبر اعتماد إضافي من الموازنة، في محاولة لإبراز أحد أوجه إنفاق الأموال التي دخلت البلاد من صفقة بيع أرض «رأس الحكمة» للإمارات بقيمة 35 مليار دولار، وسط انتقادات للحكومة لعدم توضيحها آليات الاستفادة من عائدات الصفقة التي صاحبها خفض لقيمة الجنيه للمرة الخامسة خلال فترة وجيزة بسبب العثرات الاقتصادية.
تعزو بعض المصادر الحكومية الانقطاع في التيار الكهربائي إلى تأخّر الإمدادات الإسرائيلية


ويمهّد ما تقدّم لتطبيق أسعار جديدة للكهرباء ابتداءً من الشهر المقبل، في أعقاب حسْم القاهرة تفاصيل خاصة في عملية الاستجابة لشروط «صندوق النقد» و«البنك» الدولييْن، بما يتيح استدامة الاقتراض وسداد الديون التي باتت تلتهم نحو ثلثي الموازنة. على أن إجراءات رفع الدعم عن الكهرباء والبنزين بشكل كامل في غضون ثلاثة أعوام، سيتم البدء بتطبيقها بالتزامن مع أداء الحكومة الجديدة اليمين الدستورية صباح الغد أمام الرئيس. وفيما يفترض، وفقاً للبيانات الرسمية المصرية، أن هناك مخزوناً استراتيجياً من الغاز لدى السلطات الرسمية، فإن الحكومة لم تلجأ إليه لأسباب تتعلّق بـ«الأمن القومي» بحسب مصادر مصرية تحدّثت إلى «الأخبار» عن «عدم إمكانية اللجوء إلى المخزون الاستراتيجي سواء الموجود لدى وزارة البترول أو لدى القوات المسلحة، لحل الأزمة بشكل عاجل». وأضاف المصدر أن قرار الحد من الإمدادات للمصانع الكثيفة الاستهلاك للغاز، جاء باعتباره الخيار الأقل ضرراً مع تزايد الغضب الشعبي، على أن تجري «إعادة الضخ لهذه المصانع في أقرب وقت، بالتزامن مع مراجعة الكميات التي يتم ضخها لكل مصنع لتكون بشكل متدرّج وبما يسمح لها بانتظام العمل بأقل الأضرار في أسرع وقت».
وبينما تعزو بعض المصادر الحكومية، الانقطاع في التيار الكهربائي إلى تأخر الإمدادات الإسرائيلية، يفيد الواقع بأن الحكومة المصرية تتحمل الجزء الأكبر من المسؤولية، خصوصاً أن الأرقام المسجلة للاستهلاك من الطاقة الكهربائية لم تتغير كثيراً عن العام الماضي، إلى جانب توافر المحطات التي يمكنها إنتاج كميات أكبر من الكهرباء، والتي جرى بناؤها خلال السنوات العشر الماضية بقروض من عدة دول، مع الإشارة إلى أن المشكلة باتت في توفير الوقود بشكل منتظم للمحطات، التي توقّف عدد كبير منها عن العمل لعدم القدرة على تشغيله والاستفادة منه. ويأتي ذلك فيما دفع تباطؤ إمدادات الغاز من إسرائيل، الحكومة إلى اتخاذ قرار، منذ بداية الشهر الجاري، باستيراد كميات من مصادر أخرى، عبر مناقصات استثنائية.