عن 61 عاماً، غابت الممثلة الشهيرة التي مثّلت بأعمالها جزءاً رئيسياً من الذاكرة السورية. الفنانة التي عاشت طفولة شاقة ودخلت التمثيل من باب الإعلانات التجارية، توارى في الثرى اليوم في دمشق
وسام كنعان
لم تستطع التجاعيد التي ارتسمت باكراً على وجه نبيلة النابلسي أن تخلق خوفاً داخلها، كما تفعل عند غالبية النساء. بل كانت تعشق الحياة بشغف كبير من دون أن تحسب حساباً للموت المباغت، «هذه تجاعيدي وأنا أحبّها. من قال إن التجاعيد ليست جميلة؟ أفضّل أن أعيش كل مرحلة من مراحل عمري من دون تزييف»، قالت النابلسي لـ«الأخبار» في آخر حواراتها الصحافية. ورغم إيمانها المطلق بالحياة وهي في آخر أيام عمرها، إلا أن الموت تمكّن منها صباح أمس في «المستشفى الفرنسي» في دمشق، بعد صراع مع المرض العضال. هكذا أجهز السرطان على ما بقي من أحلامها المؤجّلة التي كانت تنوي معاودة تحقيقها هذا الموسم، وأنهى مسيرة واحدة من أشهر أمهات الدراما السورية.
ولدت الفنانة في حي العمارة الدمشقي عام 1949، ولم تعرف كيف تتوقف ولو ليوم واحد عن الحلم. الخلافات العائلية في منزلها ما كانت تهدأ، حتى أخذت نبيلة تتوق إلى الاستقلالية والاعتماد مادياً على نفسها، إلى جانب مساعدة عائلتها التي أضناها فقر الحال، وخصوصاً بعد رحيل والدها.
بدأت مسيرتها مع فيلم «المخاض»، الجزء الأول من ثلاثية «رجال تحت الشمس»
هكذا بدأت الفتاة، اللافتة بجمالها، رحلة شقاء دامت نحو 61 عاماً. فقد عملت منذ الثالثة عشرة من عمرها على آلة كاتبة، ثم ممرضة، وظلت تزاول هذه المهنة لمدة سنتين، إلى أن بدأت بتمثيل بعض الإعلانات التجارية التي ساعدتها مادياً. لكنها لم تكن تدري أن تلك الإعلانات ستكون الباب الذي سيفتح مصراعيه على نجومية عريضة ستستمر نحو أربعة عقود من الزمن. الإعلانات التي كانت تعرض في دور السينما قبل بدء عرض الأفلام، جذبت المخرج السينمائي نبيل المالح، فأسند إليها دوراً في فيلم «المخاض»، وهو الجزء الأول من ثلاثية «رجال تحت الشمس» المقتبسة عن رواية غسان كنفاني الشهيرة. بعد هذا العمل، توالت البطولات السينمائية في «وجه آخر للحب» (1973) لمحمد شاهين و«دمي ودموعي وابتساماتي» (1973) لحسين كمال و«العار» (1974) لوديع يوسف. وبعد تراجع عجلة السينما، حصلت نبيلة النابلسي على مكانها في الدراما التلفزيونية: من مسلسل «دموع الملائكة» (1983) لغسان جبري، ثم جسّدت أدواراً لا تزال ترسخ في الذاكرة حتى اليوم مع «حمام القيشاني» بجزءيه الأول (1994) والثاني (1997) للراحل هاني الروماني، و«الفصول الأربعة» (1999) لحاتم علي، و«ليالي الصالحية» (2004) لبسام الملا، و«الحور العين» (2005) لنجدت أنزور و«أولاد القيمرية» (2008) لسيف الدين السبيعي، وأخيراً «ليس سراباً» (2008) للمثنى صبح.
المعاناة لاحقت النابلسي منذ طفولتها حتى آخر أيام حياتها، مع المرض الذي دام أكثر من عام، لكنها كانت تعرف كيف تبدع. ظلت مقلةً في أعمالها لتوزّع عطاءها بين جمهورها ومنزلها الذي عرفت فيه أمومة من نوع مختلف حين رزقت طفلاً ذا احتياجات خاصة، فلازمته واعتنت به طيلة حياتها.
رحلت النجمة السورية التي جسّدت نماذج كثيرة من الأمهات السوريات من دون أن تودّع أحداً، تاركة خلفها عشرات الأعمال والشخصيات التي أدّتها، ومكوّنة جزءاً رئيسياً من الذاكرة الحديثة للفن السوري. وتوارى نبيلة النابلسي في الثرى عند الحادية عشرة والنصف من قبل ظهر اليوم في مقبرة عائلتها في دمشق.