واجه الطلاب، في السنتين الماضيتين، ضغوطاً استثنائية. ومع عودتهم إلى مدارسهم، طفت مشكلات في السلوكيّات، كالتنمّر والعدوانيّة والشعور بالنقص والدونيّة والتمييز. هذه المشكلات تصبح مفهومة عند ربطها بالظروف التي يعيشها لبنان والعالم، من جائحة كورونا والخوف من المرض وفقدان الأحبّة والتعلّم عن بُعد، إلى تردّي الأوضاع الاقتصادية والحرمان والخوف من العوز وغيرها.بحسب أستاذة علم الاجتماع والمعالجة النفسية ميسون حمزة، لا يستطيع الطفل على صغر سنّه فهم ما يجري حوله وترجمة مخاوفه إلى أسئلة، «فيتملّكه الشعور بالخوف والقلق والتهديد، وهو ما يظهر في سلوكيات خارجة عن المألوف». فضلاً عن أنّ التلميذ الذي «اعتاد» متابعة دروسه من «سريره» بـ«البجامة» وفي يده «السندويشة»، انكسرت في رأسه ضوابط المدرسة وقوانين الصفّ، وأرجعه البقاء في المنزل إلى «علاقاته الأولية».
وتلفتُ حمزة إلى أنّ التلامذة الذين انتقلوا من مرحلة دراسية إلى أخرى (مثلاً من التعليم الأساسي إلى الثانوي) خلال هاتين السنتين، هم من أكثر الفئات التي تواجه صعوبة بالالتزام والانضباط، وكذلك المراهقين الذين يضعون مشاريع مستقبلية ويبنون أحلامهم التي تصطدم بالواقع. «وهُنا يكمن دور الدعم النفسي الاجتماعي، ليُساعد الطفل على فهم مشاعره والتعبير عنها، ومن ثمّ التخلص من الخوف والقلق، عندها ينتظم ويرجع إلى الواقع وينضبط اجتماعيّاً».
وتؤكد الاختصاصية في علم النفس الاجتماعي والأستاذة الجامعية، سلام شمس الدين، أنّ مختلف الفئات العمرية «باتت تحتاج إلى الدعم لتعزيز الرفاه النفسي الاجتماعي، وتخفيف الضغوط، وحماية الفرد من الاضطرابات النفسية، تمهيداً لإيصاله إلى برّ الأمان، الذي يعدّ من الحاجات الأساسية بعد الحاجات البيولوجية بحسب هرم ماسلو».
برنامج الدعم النفسي في المدارس الرسمي يفتقر إلى كادر متخصّص


على المستوى النفسي، يمكن تعزيز صحة الأطفال النفسية من خلال «أنشطة استرخاء وتنمية الخيال والإبداع، وإدارة المشاعر والضغوط النفسية، وأنشطة على مستوى الأقران تعزّز طرق التواصل والتعاون والتقبّل والاندماج والتكيّف، وأنشطة اجتماعية كإدارة العلاقات الاجتماعية وحلّ المشكلات وتعزيز القيم الأخلاقية، وغيرها...» على ما تقول شمس الدين. بينما يتعلّق الدعم الاجتماعي بالمساعدات العينيّة كالأقساط المدرسية والكتب والقرطاسية والزيّ المدرسيّ، ووفق حمزة، أبرز القيم التي تعكس الدعم الاجتماعي هي التعاضد والتكافل والتضامن.
ومع أنّ فرص الاستفادة من الدعم النفسي الاجتماعي ليست مُتكافئة بين جميع التلامذة نظراً إلى الهوّة الشاسعة بين قدرات بعض المدارس الخاصة والمدارس الرسمية، إلا أنّ الأستاذة في كلية التربية والمستشارة في برامج الدعم النفسي الاجتماعي والتعليم النفسي الاجتماعي، سمر الزغبي، تؤكّد أنّ «وزارة التربية والمركز التربوي للبحوث والإنماء تبنَّيا هذا الدعم في المدارس الرسمية عبر أنشطة مُمنهجة بحسب الصفوف»، فيما تقول شمس الدين «إنّنا نفتقر اليوم إلى وجود فريق عمل داعم نفسياً واجتماعياً داخل المدارس الرسمية لعدم قدرة وزارة التربية على تمويل المشاريع والأنشطة ودفع المستحقات، لذلك طُرِحَت فكرة التطوع بخدمات الدعم النفسي الاجتماعي في المدارس أو الأندية»، مُشيرةً إلى أنّ «الدعم النفسي الاجتماعي لا ينحصر بالتلامذة فقط، بل يشمل أيضاً أولياء الأمور والأساتذة الذين طالتهم الضائقة الاقتصادية والضغوط. وفي هذا السياق، تقول الزغبي إنّ مَن يُقدّم الدعم يجب أن يكون هو نفسه «جاهزاً»، وأن يعيش النشاط ليتمكّن من نقله إلى التلميذ. لكن هذا الأمر «مفقود» برأيها، إذ «كيف يُمكنُ للداعم أو المعلّم أن يكون نموذجاً للتلميذ ليأخذ منه السلوك الصحّي إذا لم تُلبَّ حاجاته الأساسية؟».
وتضيف إنّ الدعم النفسي الاجتماعي وحده ليس كافياً، بل هناك حاجة إلى «تعلّم نمائيّ» طويل المدى يتبع المراحل العمرية، «وفي لبنان حاليّاً، العمل جارٍ على إطار مرجعي للتعلم الانفعالي الاجتماعي». وتوصي حمزة أولي الأمر في هذه الأوقات العصيبة بـ«الصبر والاستماع والتفهم» وتشجيع الأطفال على التحدث وتفريغ طاقاتهم، واللجوء دائماً إلى أهل الاختصاص، «فمن حقّ كل إنسان أن يطلب المساعدة عند حاجته» لأن الصحة النفسية ليست ضرورةً فحسب، بل حقّ لكلّ إنسان.