ليست دورةً عاديّةً بالتأكيد. إنّها النسخة العاشرة من «أيام بيروت السينمائية» تنطلق اليوم، بالتزامن مع مرور 20 سنة على انطلاق جمعيّة «بيروت دي سي»، التي تنظّم «الأيّام» كل عامين. تنظيم حدث ثقافيّ مستمر في بلد مفاجآت مثل لبنان، مغامرة بلا ضمانات. التمويل مشكلة دائمة. إنّه أحد أسباب عدم الالتزام بموعد سنوي. أساس تقليل عدد الأفلام الطويلة إلى 17 هذا العام (عادةً يراوح بين 40 و50). تحاول «بيروت دي سي» تعويض ذلك بإقامة أنشطة على مدار العام احتفاءً بالعشرية، وتوسيع الدائرة خارج العاصمة إلى طرابلس وصيدا وحمّانا. لطالما حلم المنظّمون بذلك. كذلك، تتفرّع «أيّام بيروت» عن «شجرة عائلة» أكبر هي «أسبوع بيروت السينمائي». التتمّة تتضمّن «ملتقى بيروت السينمائي» (29 – 31 آذار)، وهو منصّة للإنتاج المشترك، و«مختبر صناعة التأثير» (٢٦ - ٢٩ آذار)، وهو ورشة عمل عن دور الأفلام الوثائقية في التغيير المجتمعي. الملتقى تنظّمه «بيروت دي سي» و«مؤسسة سينما لبنان». يجمع نحو 40 اختصاصياً ومنتجاً. تضمّ مسابقته 14 مشروعاً قيد التطوير، و7 في مرحلة الإنجاز، إضافةً إلى 8 مشاريع خارج المسابقة. أفلام مرتقبة من لبنان وسوريا والأردن وفلسطين ومصر والسودان وتونس والجزائر وليبيا. تقليص البرمجة لم يأتِ على حساب «التنوّع»، الذي ترفعه هذه الدورة كعنوان لافت. كالعادة، تحاول جلب الجديد والجيّد والجدي من السينما العربيّة. تركّز على الراهن من القضايا والأفكار. تتيح للجمهور اللبناني مشاهدة عناوين سمع عن مشاركاتها في مهرجانات كبيرة. هكذا، نترقّب أشرطةً سجاليّة طازجة عن مجازر الاحتلال الإسرائيلي ضد الفلسطينيين، وصولاً إلى ثورات مصر وتونس وليبيا، وظاهرتي التطرف والعنف، ومعاناة اللجوء، مروراً بالفقر والفساد والقضايا الإنسانية والاجتماعية، وسعي المرأة العربية إلى التحرر. بلغة الأرقام، لدينا 17 فيلماً طويلاً، موزّعة بين 11 وثائقياً و6 روائية. قسم الأفلام التجريبيّة يحتوي على 4 عناوين، منها جديد غسّان سلهب «وردة». في النشاطات الموازية، أمسية تكريميّة للراحلة جوسلين صعب، عبر ندوة يديرها المخرج هادي زكّاك (3 نيسان ـ س: 19:00 ـ دار النمر). كذلك، تحيّة للمصري الكبير أسامة فوزي (راجع مقال الزميل عصام زكريا) كما تُخصص ليلة لأفلام الفيديو الموسيقية (4/4).


افتتاح واختتام بالأفضل
حسناً فعل المنظّمون بفتح شهيّة الحضور وتوديعهم، بأبرز عناوين 2018 وثائقياً وروائياً. صافرة البداية تنطلق بالوثائقي المثير للجدل «عن الآباء والأبناء» (2017ـ 99 د.) لطلال ديركي. إنّه الجزء الثاني من مشروع «سوريا والحرب»، بعد «العودة إلى حمص» (2013). السينمائي السوريّ يتسلّل إلى كواليس «الجهاديّين» في إدلب، مقدّماً نفسه كمصوّر حربيّ متحمّس للجهاد. هذا يضمن له أمرين: الاندماج في المحيط والحصول على ثقة أفراده، ونوع من الحصانة ضدّ الخطف والتصفية. من خلال معايشة عائلة الجهاديّ «أبو أسامة» لأكثر من عامين ونصف، يقترح الشريط حمولةً غنيّة ونادرة. يطلق النّار على الإرهاب من داخله. ما هي يوميات هؤلاء، الذين لا نسمع إلا عن معاركهم ومفخخاتهم في نشرات الأخبار؟ كيف ينمو الأطفال في مناخ كهذا؟ ماذا عن اللايف ستايل الحقيقي في «أرض الخلافة» الموعودة؟ منذ «جائزة لجنة التحكيم الكبرى لأفضل وثائقي أجنبي» في «مهرجان صندانس السينمائي» 2018، وصولاً إلى ترشيح الأوسكار ضمن فئة الوثائقي الطويل، ومروراً بأكثر من 40 جائزة و120 مهرجاناً دولياً، اكتسب الشريط سمعةً مستحقةً كواحد من أرفع الوثائقيّات التي خاضت الموضوع السوريّ الشائك. ذلك أنّه لا يطلق أحكاماً على أبطاله. صحيح أنّه يضعهم في سياق كابوسيّ منذ البداية، لكنّه لا ينزلق إلى التقييم. يسير على شعرة رفيعة، متعاملاً مع أبي أسامة كـ «بطل مضاد» من لحم ودم، وأطفاله كضحايا يستحقون التعاطف. يحتفظ بفرادة المعايشة. يرصد تطوّر الشخوص، وتحوّلاتهم بين دفء العائلة ووحشية الحرب. العدسة لا تصوّر فقط. إنّها «تسجّل» حياة كاملة. تواكب تشكّل وعي أفراد. هذا من جوهر السينما التسجيليّة، وأعمق تجليّاتها. إنّه وثيقة نادرة، حاملة لعناصر البقاء. دراسة سوسيولوجية – أنثروبولوجية جادّة. رحلة داخل النفس البشريّة. تأمّل في سايكولوجيا صناعة الظلام. مانيفستو صارخ عن جانب مرعب من وطن لم يعد يشبه نفسه في كثير من الأماكن. لذلك، تعرّض ديركي لأشنع أنواع الهجوم من بعض أطراف المعارضة والموالاة، ما بين «خائن» يعمل وفق رؤية الغرب، و«المتبنّي رواية النظام» عن «إرهاب الثورة». روّاد المهرجان أمام فرصة التفاعل المباشر مع الفيلم كمنجز قابل لنقاش هادئ، من دون التشتّت والانسياق.
تحيّة الختام بـ «يوم الدين» للمصري أبو بكر شوقي، الآتي من مسابقة «كانّ» بجائزة «فرانسوا شاليه» لقيم الحياة والصحافة، رغم أنّه باكورة صاحبه في الروائي الطويل. «فيلم طريق» أخّاذ، فيّاض بالحميمية والمشاعر والجمال. ينتصر للمنبوذين والمهمّشين، في مواجهة ذات ومحيط وتاريخ وشروخ اجتماعيّة. بعد رحيل زوجته في مستعمرة الجذام، يقرّر القبطي «بشاي» (راضي جمال) الحامل لآثار المرض بعد شفائه، مغادرة المكان لأوّل مرّة في حياته. يقود حماره «حربي» نحو «قنا»، بحثاً عن عائلة تركته صغيراً. يتبعه الطفل النوبي اليتيم «أوباما» (أحمد عبد الحافظ). هنا، يتسع الهامش ليصبح مساحةً للاشتباك مع الحياة، والاستكشاف، والخلاص. القابعون في الداخل ينتهزون فرصة التحقق، سواءً كانوا «ناقصين» جسداً أو شكلاً أو عرقاً أو ديناً أو طبقياً في تصنيفات المجتمع. في الجغرافيا، يبرز شوقي مصر الغائبة عن العدسات، عابراً الأرياف والقرى. حتى في الآثار، نمرّ بهرم فرعوني مهمل، لم يعرف شهرة خوفو وخفرع ومنقرع. لا استجداء أو ميلودرما رغم إمكانية ذلك، بل سخرية وطيبة وحلاوة روح. «يوم الدين» يصبح الجميع سواسيةً. لا داعي للانتظار. بإمكان السينما تحقيقه الآن. مآخذ السيناريو الصغيرة تتضاءل أمام جماليات الفيلم، وقدرته على التأثير والإغواء والبقاء في الذاكرة.

«غزّة تحت الضوء»
3 وثائقيات تعرض في «دار النمر» ضمن قسم يبرز معاناة الفلسطينيّين ونضالهم، والعسف الإسرائيلي، بعدسات سينمائيّين من الخارج. الأبرز هو «طريق السمّوني» (2018، 129د ـ 30 آذار ـ س: 18:30) للإيطاليّ ستيفانو سافونا. شريط مؤثّر، عن المجزرة الإسرائيليّة، التي أودت بحياة 29 من أفراد عائلة السمّوني، خلال عملية «الرصاص المصبوب» 2009. السرد متحرّر من التقليدي والمتعارف عليه. يعيد تركيب الحكاية، وتجميع الصورة، وإحياء الموتى. يمزج الشهادات والمعاينات الحيّة، مع لقطات جوية للقصف المتعمّد، وأنيماشن قلم الرصاص (سيمون ماسّي). منظور إنساني، موغل في تناول نبض الحياة والمشاعر، بعيداً عن الريبورتاج والحس الإخباري. بذكاء، نرى وحشيّة احتلال، وإصرار ضحايا مدنيّين على الحياة، والبدء ثانيةً. نجاح سافونا في الإفلات من شرك الاستشراق والتنميط، يرفع من أسهم عمله. ربّما لأنّه «ينقّب» بصبر آتٍ من دراسته علم الآثار، إذ يستغرق 9 سنوات لإنجاز الشريط. في المقابل، ثمّة استشراق معروف في «أبولو غزّة» (2018 ــ 79 د ـ 1 نيسان) للسويسري نيكولاس فاديموف. العثور على تمثال لإله الجمال والفنون في قاع البحر، ثمّ اختفاؤه في ظروف غامضة، يشعل شرارة البحث والاستقصاء والتأويل. أين القطعة النفيسة؟ هل هي موجودة حقاً؟ هل وقعت في قبضة «حماس» أم تمّ تهريبها إلى الخارج؟ الأسئلة آنية لا تكاد تنفتح على سياق سياسي واجتماعي ضمن «أكبر سجن في العالم»، حتى تنكمش مجدّداً. أيضاً، يعرض المهرجان وثائقياً قصيراً من إسبانيا بعنوان «غزّة» (2019 ـ 18 د. ـ 1 نيسان ـ س: 18:30) لخوليو بيريز وكارليس بوفر، بمثابة رحلة إلى واقع فلسطينيّ منتهك بالاحتلال والحصار.

أشرطة لبنانيّة: أفلمة الأسرة
إضافةً إلى «وردة»، و«ركعتان في العشق» لرامي صبّاغ في قسم الأفلام التجريبيّة، نحن على موعد مع أربعة وثائقيات لبنانية. معظمها يتخذ من الأسرة أساساً لطرح قضايا، وملامسة مستويات أكثر عمقاً وشموليةً. «طرس - رحلة الصعود إلى المرئي» (2018 ـ 76 د ـ 3 نيسان ـ س:19:30 ـ متروبوليس) لغسان حلواني، عمل في غاية الذكاء والبراعة. يصل بتنويه خاص من لوكارنو، وجائزة «فتحي فرج لأحسن إسهام فني» في مسابقة أسبوع النقاد الدولي، من «مهرجان القاهرة» الأخير، و«التانيت البرونزي» للأفلام الوثائقية من قرطاج. يتساءل عن مفقودي الحرب الأهلية اللبنانية بأسلوب استكشافي، من خلال كشط ملصقات إعلانيّة مهملة على جدران بيروت. حقب متعاقبة تحت أخرى، وصولاً إلى وجوه المفقودين الشاخصة. قراءة هادئة فيها الكثير من الدهاء والتجريب، باعتماد الكتابة على الشاشة، والأنيماشن، والتجهيز، والأرشيف الحي. ثمّة رتابة مقصودة. تحثّ على التفكير والاستلاب في آن، غير أنّ قوّة الصنعة تحميه من الانزلاق إلى الملل والنفور. لحظات الوصول إلى وجه المفقود، ومقارنته بصور، وتدوين اسمه، مثيرة للقشعريرة بالفعل. من الواضح أنّ حلواني مهموم بالقضيّة. هو ابن لأحد المفقودين (زياد حلواني)، ومؤسّسة لجنة تطالب بكشف مصيرهم (وداد حلواني). أكثر من ذلك. ها هو يتهم السلطة اللبنانيّة بارتكاب الجريمة الكاملة، «فعل القتل» عندما كانت مقسّمة إلى ميليشيات، و«إخفاء آثار الجريمة» عندما تولّت المقاليد. المقابر الجماعية باتت ممتزجةً بعمران حديث يدّعي تجاوز الحرب وآثارها.
بعد العرض الأوّل في «روتردام السينمائي»، يصل جديد سينتيا شقير «بمشي وبعدّ» (2018 ـ 87 د ـ 1 نيسان ـ س: 21:30 ـ متروبوليس) السينمائيّة اللبنانيّة معنية دائماً بالشأن العام وحقوق الإنسان، إضافةً إلى صناعة الأفلام بدأب ومثابرة. هنا، ترافق أختها سابين ورفاقها في منظّمة «مهرجون بلا حدود» إلى ليسبوس اليونانيّة، لاستقبال موجات اللاجئين بأنوف حمراء ووجوه ضاحكة. بيد أنّهم يجدون البوابات المغلقة والأسلاك الشائكة حائلاً وسجناً. هكذا، تتحوّل المهمّة إلى بحث داخلي، واستحضار لتهجير سابق. صحيح أنّه فيلم عن اللاجئين، لكن من دون رؤيتهم مباشرةً. نلاحظ الآثار، وسترات النجاة، وتأثير حالهم الكارثي. يتحوّل المنظور إلى متطوّعي الفكاهة الراغبين بالدعم والعون. المعاناة تنسحب على من يرى ويسمع وينتظر أيضاً، وإن كانت لا تقارن بأهوال ركّاب قوارب الموت. هذه الجزيرة نفسها التي كرّمها طلال ديركي في وثائقي «قصيدة إلى ليسبوس» (2016). اعتاد أهلها مساعدة اللاجئين، ما منح ثلاثة منهم ترشيحاً لنوبل السلام. في «بمشي وبعدّ»، يستدعي المكان تهجيراً سابقاً خلال الحرب الأهليّة اللبنانيّة، خصوصاً أنّ عائلة سينتيا لجأت إلى اليونان أيضاً. «شعور الحرب» يخيّم مجدّداً، فيتأرجح بوح الأختين بين جدّ وضحك وتأمّل. من عاصر الجحيم، يعرف توابعه جيّداً. نحن بصدد شريط حميميّ، مينيماليّ. يتسرّب صدقه بسلاسة إلى قلب المشاهد وعقله، رغم بعض التكرار والإطالة بين منتصفه وثلثه الأخير.
أشرطةً سجاليّة عن مجازر الاحتلال الإسرائيلي ضد الفلسطينيين، و«ثورات» مصر وتونس وليبيا، والتطرف والعنف واللجوء


سيريل عريس يأخذنا إلى مستوى أكثر خصوصيةً في أفلمة العائلة، من خلال «المرجوحة» (2018 ـ 74 د ـ 31 آذار ـ س: 21:30 ـ متروبوليس). يبدو أنّ تصوير الأسرة بات «جانر» لبنانيّاً بامتياز، مع تعدّد عناوين أوتوبيوغرافيّة مثل «يا عمري» (2017) لهادي زكاك، و«تيتا ألف مرّة» (2010) لمحمود قعبور... المشترك أنّ السينمائي الشاب (1987) يصوّر أجداده بكثير من الشغف والحرص والشاعريّة، راصداً الاجتماعي والحياتي والسياسي اللبناني، على امتداد سنوات. مع ذلك، تختلف العناوين في التناول، والروح (طبيعة الشخوص)، والمستويات القابعة تحت السطح. فيلم سيريل يتابع اليوميات الرتيبة لجدّيه أنطوان وفيفيان، بعد الرحيل الصادم لابنتهما ماري-تيريز، إثر سفرها إلى الأرجنتين. هذه اللحظة المناسبة لبدء التصوير في نظر سيريل، لأنّ فيفيان تعرف الخبر، وتخفيه عن زوجها التسعينيّ خوفاً عليه. تحمل الحزن بمفردها، فيما يتوقع الجد مجيء ابنته في أيّ لحظة. تحاول مداراة اكتئابها، ومجاراة مرحه وغزله في هذا السن. هذا يتضافر مع طبيعتها الخائفة من الموت والتداعي، ورضاه بقرب النّهاية، لخلق «دراما» قادرة على كسر الرتابة، وتوفير مبّرر صنع فيلم أصلاً. هناك رقة عذبة. حزن شفيف. بسمة صادقة. ضحكة من القلب. متعة جاذبة، رغم أنّ الكاميرا لا تغادر البيت المسيحي القديم في الأشرفيّة. لا شيء يحصل حقيقةً. طلب فيفيان «احكيلي شي»، يقابل بصمت أنطوان شبه الأصم في النّهاية. الإطلالة على ثلاثة أنماط من الأبنية، تحيل على أجيال العائلة ذاتها، بين جدّ وحفيد يقوم بتصويره. اللافت أنّ لا ذكر للحرب الأهليّة كالمعتاد. ربّما لأنّ الشريط حميميّ للغاية، وصانعه لم يشهد الصراع. «المرجوحة» بورتريه رقيق. قصّة حبّ ملهمة، من زمن جميل. مبعث تأمّل حزين في الذات، والشيخوخة، وتداعي مدينة هجينة، لم تعد تشبه نفسها.
يتواصل فتح العدسة على اتساعها داخل الأسرة، من قبل سينمائي شاب، مع «غرفة لرجل» (2018، 77 د - 3 نيسان ـ س:21:30 ـ متروبوليس) لأنطوني شدياق (1988). هنا، يصير البوح أكثر حدّة وكشفاً لأسرار وأفكار، مع إحالات على تأثّر العائلة بالحرب. شدياق بطل الشريط. لا يخفي ميوله المثليّة. لا يطلب تعاطفاً أو مراعاةً خاصّةً، رغم حسرة الأم، وخيبة الأقرباء. يريد القول لمن يعتبر ذلك نقصاً أو مرضاً، إنّ المنطقة ملعونة بأمراض حقيقيّة ونقص فعليّ، كالقمع والعنف والإلغاء والهجرة. بيروت تبدو من غرفته كياناً بلا حياة أو أمل. في الأفلام القصيرة، لدينا «ابن الرقاصة» (2018، 21 د.) لجورج هزيم، و«سلسلة اختفاءات وعلاقات غير مريحة» (2019، 14 د.) لحسين إبراهيم، و«فلوتي إكسبرس» (2019، 22 د.) لموريل حنين.

سينمات جديدة
يتيح المهرجان فرصةً طيّبة للتفاعل مع سينما بلدان ما زالت تتلمّس الطريق، لكن بثبات وإنجاز. وثائقي «حقول الحريّة» (2018 ـ 99 د ـ 31 آذار ـ س:17:30 ـ متروبوليس) لليبيّة-الإنكليزيّة نزيهة عريبي (1984)، يصدّر صورةً مغايرة عن ليبيا نشرات الأخبار الزاخرة بالعنف والتفجيرات. نتعرّف على الإنساني والاجتماعي، من خلال أحلام فتيات عاشقات لكرة القدم. تكوين أوّل منتخب نسائي ليبي فكرة واعدة، بعد الثورة والإطاحة بالقذافي، لكنّ «فدوى» و«حليمة» و«ناما» وبقيّة اللاعبات سيكتشفن أنّ «الربيع العربي» ليس مفتاح الجنّة. الحلم يتنازعه شيوخ التكفير على المنابر، وسكوبات الإعلام، وحتى الدول التي قادت قصف البلاد. على امتداد خمس سنوات، ينقسم الشريط إلى ثلاث مراحل متساوية. الثلث الأوّل (عام بعد الثورة) يلوّنه الأمل في العيون وهتافات الحناجر، وفرح البداية والعمل، وصولاً إلى بداية الانكسار. الثلث الثاني (2 - 4 سنوات بعد الثورة) يخيّم عليه وجوم الانهيار، ورفع اتحاد الكرة يده عن الفريق، استجابةً للضغوط وتهديدات «أنصار الشريعة». بالتوازي، تسير كلّ منهنّ في طريق، لنرى المزيد من المشهد العام. الثلث الأخير (4 - 5 سنوات بعد الثورة) إذ يلتمّ الشمل، يصير الحلم حقيقةً. يطير المنتخب إلى بيروت، لتمثيل ليبيا في أوّل مشاركة خارجيّة. عريبي تواكب كلّ ذلك بإصرار مدهش. تنجز شريطاً مبهجاً، نابضاً بالطاقة والحماس. تظهر قدرة المرأة على التحقق، اعتماداً على العزيمة، وروح الفريق، وقوّة العمل الجماعي، غير آبهة بالخطر والاضطرابات وتكالب طيور الظلام.
من السودان، يحطّ روائي بعنوان «آكاشا» (2018 ــ 78 د ــ 2 نيسان ـ س: 19:30 ـ متروبوليس) لحجوج كوكا، قادماً من فينيسيا وتورونتو ومراكش. هذا عمله الثاني، بعد «على إيقاع الأنتونوف» (2014 - جائزة الجمهور لأفضل وثائقي في «تورونتو»). تتوقف الحرب الأهليّة في جبال النوبة بسبب موسم الأمطار، التي تحيل الأرض طيناً. يعود «عدنان» إلى حبيبته «لينا» كبطل حرب. حبّه لبندقيته «نانسي»، لا يقلّ عن ولعه بالفتاة القويّة. تأتي أوامر الالتحاق بالوحدة العسكريّة. يتقاعس البطل، فتصدر أوامر «آكاشا» للقبض عليه مع بقيّة المتخلّفين. قوّة الشريط في المنظور المختلف الذي يناقش الحرب وجغرافيا تلك المنطقة المجهولة. سخرية وتهكّم وعبث يصل إلى حدّ العدميّة. أكل ورود الهلوسة في الكهوف، وشرب الشاي الكيني مع كثير من السكر، وطقوس الاحتفال والرقص الجماعي... كلّها عناصر مثيرة لفضول التعرّف على مكان بكر سينمائياً كهذا.

المغرب العربي
3 عناوين مرتقبة من المغرب العربيّ. «في عينيا» (2018 ـ 97 د ـ 30 آذار ـ س: 17:30 ـ متروبوليس) للتونسي نجيب بلقاضي واصل من تورونتو وقرطاج. شريط بالغ الرقة والعذوبة، عن علاقة أب حادّ الطباع بابنه المصاب بالتوحّد، ضمن مناخ حميميّ منتصر للحياة والإنسان، بعيداً عن الميلودراما وتوسّل العواطف. تيمة النضج والاكتشاف للوالد، فيما يفترض العكس، مع أداء لافت لكلّ من نضال السعدي والطفل إدريس الخروبي. من المغرب، يحطّ محسن البصري بجديده «طفح الكيل» (2018 ـ 86 د ـ 1 نيسان ـ س: 19:30 ـ متروبوليس). ليلة في مشفى عام، تفتح الباب على مشاكل النظام الصحي، وكرامة الفقراء، وتعدّد المسارات القصصية. البصري يحسن التعامل مع النّوع، فينجز شريطاً حميمياً، متماسكاً، قادراً على مخاطبة مختلف الفئات والشرائح. لا تكتمل البرمجة دون الجزائري مرزاق علواش. في جديده «ريح ربّاني» (2018 ـ 96 د ـ 30 آذار ـ س: 21:30 ـ متروبوليس)، يغزل مجدّداً على تيمة الإرهاب والتطرّف، من خلال استعداد شاب وامرأة لتنفيذ عمليّة انتحاريّة ضدّ منشأة نفطيّة. ليس أفضل أفلام علواش بالتأكيد. شخصيات على السطح. سيناريو مثقل بالثغرات والتقلّبات غير المنطقية، فيما الحبكة لا تصمد أمام كمّ الأسئلة التي تثيرها. تبقى سينماتوغرافيا الأبيض والأسود أجمل ما في الشريط، لصانع لا يهادن القضايا الشائكة، ولا يكلّ مشاكستها.

* مهرجان «أيام بيروت السينمائية»: بدءاً من اليوم حتى 6 نيسان (أبريل) ــ «متروبوليس أمبير ــ صوفيل» (الأشرفية) و«دار النمر للفن والثقافة» (كليمنصو) وعروض أخرى داخل بيروت خارجها. للاستعلام: 01/293212 أو 03/971579