لن تعاملك الحياة برفق إن كنت قد وُلدت في بيت «زوربا الروائيين العرب». عليك أن تتلاعب بعدّاد الوقت، وتصنع قدرك بنفسك، وتلغي شيئاً اسمه الحظ أو النصيب من حياتك ولو اجترحت المعجزات! ربما هذا ما كان يجول في خاطر النجم السوري سعد مينه وهو يشقّ أولى خطواته نحو مهنة التمثيل، مصحوباً بحمل ثقيل، وتركة مرهِقة، سيكون بسببها مرصوداً لا تغفر له زلّة. فهو ابن «شيخ الروائيين السوريين» الراحل حنّا مينه (1924 ــ 2018). صحيح أنّه لم يعش حياة التشرّد والفقر اللذين خبرهما والده في صغره، ولم يعمل عتالاً في الميناء، ولا حلاقاً، حتى ينسج مستقبله على نول مخصّص لسباكة الذهب كما فعل والده الراحل، لكن لم يكن أمامه سوى النجاح دون غيره، وهو يلعب أول أدواره التمثيلية في عمل مأخوذ عن رواية والده «نهاية رجل شجاع» (سيناريو حسن م يوسف، وإخراج نجدت أنزور ــ بطولة أيمن زيدان). لعب يومها المرحلة العمرية المبكرة لـ «مفيد الوحش»، بطل الرواية، وعلق في أذهان الناس. لاحقاً، حصد في «الجوارح» (هاني السعدي ونجدت أنزور) الجماهيرية الكافية لتحيله نجماً يقتسم شهرته بقسط من منجزه الفني، وآخر من نسبه لوالده الروائي الكبير.لم يحتَج مينه للدراسة الأكاديمية ليثبت نفسه، بل راهن بكلّ الاحتمالات على عفوية الأداء، وقوة الحضور، والشخصية الواثقة التي تنعكس في نظرة العين، وتقاسيم الوجه الحادّة التي طوّعها بمرونة بالغة في الأداء. هكذا، قدّم عشرات الأعمال التلفزيونية من دون أن يفوته حجز مكان في الدراما المشتركة، مثل «مدرسة الحب» (كتابة نور الشيشكلي ومازن طه وإخراج صفوان)، و«مذكرات عشيقة سابقة» (كتابة نور الشيشكلي وإخراج هشام شربتجي). كلّ ما تكتبه الشيشكلي سيكون له حصّة وافرة فيه، طالما أنه واحد من ممثليها المفضلين بحسب ما حكت مرّة في سرديّاتها المطولة على فايسبوك.
لم يغادر سعد البلاد وقت الشدّة، وظلّ يمازح أصدقاءه ممن يحملون رأياً مخالفاً. في عزاء والده العام الماضي في دمشق، والذي زاره كبار الشخصيات في سوريا، سينتبه الجميع إلى أنّ الرجل ثمّن غالياً الاهتمام الرسمي بوالده، وامتثل لقناعاته من دون أن يعنيه شيء آخر.
اليوم، يجسّد مينه دوراً في المسلسل الشامي «بروكار» (كتابة سمير هزيم، وإخراج محمد زهير رجب، وإنتاج «قبنض»). لكنّه أمام حكاية شعبية يلعب فيها دوراً مميزاً يقول في حديثه مع «الأخبار» إنّه «الهمشري الثائر من دون مضمون فكري. يعمل بشكل منفرد ضد الاحتلال الفرنسي، وإن كان لا يحقّق نتائج مرجوّة في تحرير البلاد لكنها تجلب المصائب للحارة... هو شخص قويّ الإرادة، له مواقف عظيمة خلال الأحداث». ويضيف: «يعمل في اصطياد الحيوانات البرية من أجل بيع فرائها وجلدها، يتعرّض للظلم من قبل أخيه «عزمي بيك» (زهير رمضان) لكن تقف إلى جانبه والدته وتكون مصدر إلهامه وقوته».