رام الله | لا جديد في التشكيلة الحكومية الجديدة. المشهد نفسه يتكرر مرتين في فترة قياسية؛ الوزراء الأربعة والعشرون الذين أدّوا اليمين الدستورية أمام الرئيس محمود عباس قبل حوالي ثلاثة أشهر، بعد تكليفهم من قبل رامي الحمدالله المعيّن خلفاً لسلام فياض، عادوا أمس وأدّوا اليمين للمرة الثانية أمام أبو مازن في مقرّه بمقاطعة رام الله؛ لتنبثق الحكومة القديمة بثوبها الجديد، وتحصل على حرّية أكبر للعمل. اذ كان مقرّراً لها في المرة الأولى أن تكون حكومة مؤقتة، ومحددة الصلاحيات والمهام، ريثما يتم تشكيل حكومة توافقية تطبيقاً لاتفاق المصالحة، غير أن هناك تأكيدات على أن الرئيس سوف يمنح الحمدالله هذه المرة صلاحيات كاملة، بعدما دفع تداخل الصلاحيات بينه وبين نائبيه إلى الاستقالة. قراران مفصليّان اتخذهما الحمدالله في أقل من شهر؛ في البداية قدّم استقالته بشكل مفاجئ بعد 18 يوماً من تولّيه مهمّة رئاسة الوزراء، اعتراضاً على تعدّي نائبيه على صلاحيّاته، وتحديداً توقيع نائبه، محمد مصطفى، على اتفاقيات اقتصادية مع البنك الدولي دون الرجوع إلى مجلس الوزراء الذي يرأسه الحمدالله، عملاً بالنظام الداخلي للحكومة الفلسطينية، ثم ما لبث أن تراجع عن قراره بعد أقل من أسبوعين، وقبل بقرار إعادة تكليفه بتشكيل الحكومة الجديدة.
بعض التسريبات الصحافية أرجعت سبب عودة الحمدالله عن قراره إلى أن الرجل شعر «بالندم» بعدما سبب قرار استقالته إحراجاً للرئيس أبو مازن، ثم سرعان ما تدخلت وساطات من حركة «فتح» لإعادة بناء الثقة بين الرجلين، حيث أبدى الرئيس مرونة أكبر في مسألة الصلاحيات، وقام بتحديد الخطوط العريضة للصلاحيات بينه ويبن نائبيه اللذين يصر عباس على بقائهما.
في المقابل، يرى بعض المراقبين أن الإدارة الأميركية، التي تحدثت بعض الأنباء عن أنها كانت وراء تعيين الحمدالله، بعدما كانت الترشيحات تصب لصالح محمد مصطفى الذي يفضّله عباس، هي من ساهمت أيضاً في الإبقاء عليه، لكونها ترى فيه الرجل المناسب ليخلف فياض في مهمة «بناء مؤسسات الدولة»، و«الإصلاح الاقتصادي والاجتماعي»، لا سيّما أن الحديث عن إعادة تكليفه تزامن مع اجتماع كبير المفاوضين صائب عريقات ونظيرته الاسرائيلية تسيبي ليفني في واشنطن، لقص شريط الجولة الجديدة من المفاوضات.
ثمة تزامنٌ آخر يرى كثيرون أنه لم يكن محض مصادفة؛ فإعادة تكليف الحمدالله رسميّاً جاءت قبل يوم واحد فقط من الموعد النهائي الذي كان من المفترض أن يصدر فيه الرئيس أبو مازن بياناً رئاسياً بتشكيل حكومة توافق وطني، وإجراء انتخابات رئاسية وبرلمانية بالتزامن، عملاً باتفاق المصالحة الموقع في القاهرة، وهو ما دفع البعض للقول إن الرئيس أبو مازن اضطر إلى تقديم تنازلات للحمدالله في مسألة الصلاحيات في اللحظات الأخيرة، ليتخلص من الحرج في مسألة البحث عن شخصية رئيس الوزراء القادم، ويعطي الحمدالله هامشاً أكبر من الحرية في إدارة شؤون الحكومة، ريثما يتم تشكيل حكومة المصالحة.
وبالحديث عن المصالحة، جاءت آخر التصريحات بهذا الشأن من القيادي البارز في حركة «حماس»، محمود الزهار، الذي أكد أن حركته وضعت 5 بنود لن تتم المصالحة الا بها من أبرزها مشاركة «حماس» لمنظمة التحرير الفلسطينية وعقد الانتخابات العامة بشكل شفاف ونزيه. الحمدالله، الرجل «البراغماتي والمعتدل»، كما تراه إسرائيل، والشخصية المقربة من أسماء نافذة في حركة «فتح»، لم يحد كثيراً عن المسار الذي اتخذه سلفه فياض، إلا أنه طوال الأشهر الثلاثة الماضية كان بعيداً تماماً عن الحقل السياسي، بقدر اضطلاعه بالأعباء الداخلية، على المستوى الاقتصادي والاجتماعي والتعليمي، لكونه يأتي من خلفيّة أكاديمية. على عكس فياض الذي انتهج خطاً سياسياً إلى جانب الخط الاقتصادي، وكان له نفوذ داخل دوائر صنع القرار، وداخل المؤسسة الأمنية التي شهدت في عهده تغييباً جذرياً على مستوى البنية والعقيدة، إضافة إلى تجاوز الرئيس أبو مازن في بعض القرارات، الأمر الذي كان يثير حفيظة قيادات حركة «فتح»، التي ساهمت بشكل كبير في دفع الرجل إلى الاستقالة، كما ساهمت بشكل فاعل في اختيار الحمدالله وجسر الهوّة بينه وبين الرئيس.