مع انتقال حاقان فيدان من رئاسة الاستخبارات التركية إلى وزارة الخارجية، لم تهدأ حركته الديبلوماسية، حيث جاب عواصم العالم، من أوروبا والولايات المتحدة إلى روسيا والصين والدول العربية والإسلامية. لكن الوزير التركي بقي أسير الازدواجية في السياسة الخارجية، بين دعم النزعة والخطط الأطلسية، وبين توثيق العلاقات مع روسيا والصين، وبين السعي إلى الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي والرغبة في الانضمام إلى منظّمة «بريكس» المتعارضة مع التكتُّل. وشكّلت روسيا وسويسرا والصين، أخيراً، محطّات مهمّة في حركة الوزير التركي، أدلى خلالها بمواقف مثيرة للنقاش، ولا سيما عندما رأى أن الـ«بريكس» موجودة لمواجهة الاتحاد الأوروبي، فردّ عليه محلّلون أتراك بالقول إن «تركيا لا سياسة خارجية لها!».وكانت لفيدان جولة واسعة ومهمّة على مختلف قضايا السياسة الخارجية التركية في حوار بُثّ، مساء الإثنين، على محطّة «خبر تورك» التلفزيونية؛ إذ رأى أن الفارق بين وكالة الاستخبارات ووزارة الخارجية، هو أن «الأولى تقدّم المعلومات، والثانية تضعها في إطارها الإستراتيجي»، فضلاً عن أن مسؤولية الخارجية أكبر بكثير من كل النواحي. وعمّا إذا كانت تركيا ستنضمّ إلى «البريكس»، قال إن بلاده «تنظر إلى مصالحها، وحيث تكون هذه المصالح ستكون»، لافتاً إلى أنها «في هذه اللحظة، تراقب بجدّية المنابر الاقتصادية الموازية، وما هو مختلف في البريكس هو وجود روسيا والصين. دول السبع أهدافها سياسية أكثر وذات لون واحد. البريكس أولوياتها اقتصادية وتضمّ مروحة مختلفة من الحضارات والأعراق، لكنها لم تصل إلى مرحلة المأسسة. ونحن نعمل على إقامة علاقات جيدة مع دول البريكس. وتجارتنا الأكبر هي مع دولتين عضوَين فيها، هما روسيا والصين. لدينا طلب لعضوية متقدّمة في المنظمة. لكن المنابر الاقتصادية ليست بديلاً من بعضها بل مكمّلة». كما أشار إلى أن «مسار عضويّتنا في الأطلسي كان واضحاً، بينما لم يكن كذلك بالنسبة إلى الاتحاد الأوروبي، لذا فإنّنا في وضع مواصلة البحث عن الخيارات».
أما بالنسبة إلى سوريا، فإن «الانطباع» الذي يخرج به المراقب من حوار فيدان التلفزيوني مزدوج: الأول هو أن تركيا مرتاحة إلى «الستاتيكو» القائم منذ آذار من عام 2020، والذي لا يشهد صدامات عسكرية بين الجيش السوري والمعارضة المسلحة؛ والثاني هو أن مسار المصالحة مع سوريا دونه شروط تحتاج إلى معجزة لكي تصل إلى خواتيمها. ويتعارض ما تقدَّم، مع التفاؤل الذي أشاعته في الآونة الأخيرة بعض الجهات حول تقدُّم حقيقي في المصالحة بين البلدَين. ووفقاً لفيدان، فإنه «في موضوع سوريا، فإن الشيء الأهمّ الذي نجحنا فيه مع الروس، هو عدم استمرار الحرب حتى الآن بين النظام والمعارضة». وأضاف أن «مسارات أستانا أعطت إمكانية مشاركة منصات أخرى، لو أن النظام السوري قام بتقييمٍ حكيم لفترة الهدوء هذه. كان يجب إعادة ملايين اللاجئين الذين هربوا خارج البلاد، ومنحهم فرصةً لبناء البلاد. لقد شدّدنا في لقاءاتنا مع نظرائنا الروس على هذه النقطة. سوريا يجب أن تقوم بذلك من أجلها هي. ونرى أهمية لعودة اللاجئين، كما نرى أن سوريا التي يتوحّد فيها النظام والمعارضة، لاعب مهمّ في المعركة ضدّ إرهاب حزب العمال الكردستاني»، معتبراً أن «عمليات إسرائيل في سوريا والمجموعات المختلفة من المليشيات، تجعل الوضع أكثر تعقيداً. سياستنا الديناميكية مهمّة». وبخصوص «وحدات حماية الشعب» الكردية في سوريا، قال فيدان إنها «مشكلة تتّصل بدولتَين، هما الولايات المتحدة وإنكلترا، وبصورة أقل فرنسا»، مشيراً إلى «(أنّنا) نعكس دائماً لواشنطن قلقنا هذا، كونه يتناقض مع موجبات التحالف بيننا وبين الأميركيين. نريد أن نزيل حزب العمال الكردستاني من أن يكون نقطة خلاف بيننا».
فيدان: «على العالم أن يجبر إسرائيل على حلّ الدولتين والقول لها إنها لا يمكن أن تسرق أراضي الآخرين»


وعن الوضع في غزة، أطلق فيدان تحذيره الأقوى، عندما قال إنه «يمكن أن تكون شرارة حرب عالمية ثالثة»، مشدداً على أنه «يجب أخذ هذا الأمر على محمل الجدّ». ولفت الوزير إلى أن «المجازر في غزة هي إبادة قسمت البشرية إلى قسمين»، متّهماً رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، بأنه «يتبع سياسة يتذرّع فيها بحماس ليمحو بالكامل حركة المقاومة الفلسطينية، وليشرع في احتلال إسرائيل للأراضي الفلسطينية. هو يطبّق حرباً ممنهجة ومنظّمة حتى النهاية. وقد فعلت أميركا وأوروبا كل شيء لدعم هذه السياسة. إن استمرار المجازر وعجز النظام الدولي عن فعل شيء، سيجرّنا إلى مواجهة واقع تنكسر فيه» الحدود والقواعد. ورأى أنه «على العالم أن يجبر إسرائيل على حلّ الدولتين والقول لها إنها لا يمكن أن تسرق أراضي الآخرين. لو تحقق ذلك لكان هناك سلام عظيم». وأضاف أنه «في اللحظة التي تعتقد فيها إسرائيل أنها حقّقت أهدافها العسكرية ضدّ حماس، يمكن الافتراض أنها ستتوجّه إلى مهاجمة عدو آخر هو حزب الله في لبنان. ونحن هنا أمام تهديد وخطر انتشار أكبر للحرب. وهنا يحضر لبنان في هذا الأمر. اللاعبون في لبنان يهدّدون قبرص الجنوبية، والعمليات ضدّ سوريا مستمرّة، ويمكن أن تؤدي الحرب إلى تورّط لاعبين جدد». وحذّر إدارة قبرص الجنوبية واللاعبين الأوروبيين، من تحوّلها إلى قاعدة استخباراتية ولوجستية تخدم العمليات العسكرية المتوجهة ضدّ غزة. وعن صعود اليمين في أوروبا، رأى فيدان أنه يشكّل خطراً على تركيا، «ولكن يجب ألّا ننسى أن الدول الأوروبية كانت تتبع سياسات سيئة كما لو أن اليمين هو الذي في السلطة».