القاهرة | لم يعد لدى المفاوض المصري سوى الوعيد المكرور بشأن «سد النهضة»، بالتزامن مع استمرار السلطات الإثيوبية في المسار المنفرد لبناء السد وتشغيله، واستمرار أعمال التعلية لممرّه الأوسط، بما يسمح بتخزين مزيد من المياه فيه في زمن قياسي. ويُعتقد أن الملء الخامس للسد سيكون الأكبر منذ بدء عمليات الملء، وسط توقّعات بإضافة أكثر من 15 مليار متر مكعب من المياه خلال موسم الفيضان الحالي (صيف 2024). وتعمل إثيوبيا بوتيرة متسارعة على استكمال أعمال تعلية الحائط الأوسط الذي تستهدف الوصول به إلى 625 متراً فوق سطح البحر، ما يعني قدرتها على تخزين نحو 50 مليار متر مكعب من المياه مستقبلاً، بالإضافة إلى نحو 20 مليار متر مكعب خلال العام الحالي فقط، وذلك بالاستفادة من تسريع وتيرة الأعمال الإنشائية في الشهور الماضية والفيضانات الكثيرة المتوقّعة خلال الصيف الجاري. ورغم عدم وضوح الرؤية بشأن ما جرى إنجازه في تعلية المنطقة الوسطى في الخزان، فإنه في حال وصول التعلية إلى 640 متراً، ستكون لدى إثيوبيا القدرة على تخزين ما يناهز 30 مليار متر مكعب مرة واحدة هذا العام، بما يعني تقريباً اكتمال عملية الملء، في وقت تُرتقب فيه كميات المياه التي سيجري تخزينها حتى نهاية أيلول المقبل، حيث نهاية موسم الفيضان.مع ذلك، توقّفت القاهرة حتى عن التنديد بالمواقف الإثيوبية المنفردة، والذي لم يعُد يُسمع إلا في المؤتمرات والمحافل الدولية، التي ترى الحكومة المصرية أنها «الباب الوحيد» لتسليط ضغوط دولية أكبر على أديس أبابا، وإقناعها بالعودة إلى طاولة المفاوضات. كما يغيب أي تواصل أو نقاش على المستوى الرسمي بين البلدين، منذ أن أعلن الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، ورئيس الحكومة الإثيوبية، آبي أحمد، نهاية كانون الأول الماضي، فشل المفاوضات. والجدير ذكره، هنا، أنه بعدما تسببت الحرب الجارية في السودان بتفكيك الضغط المصري – السوداني على أديس أبابا، يجري، في المقابل، تنسيق إثيوبي – سوداني حول السد بشكل وثيق، من دون إشراك القاهرة التي تتلقّى معلومات أساسية حول ذلك عن طريق الجانب السوداني.
سعي القاهرة لاستجلاب الضغط الدولي ثبت أنه بلا جدوى من الناحية العملية


وعلى رغم اتجاه الأنظار إلى الحكومة المصرية الجديدة التي يُفترض أن تقدّم لمجلس النواب آلية للتعامل مع الأزمة، بات الإخفاق الدبلوماسي المصري واضحاً، إذ إن سعي القاهرة لاستجلاب الضغط الدولي ثبت أنه بلا جدوى من الناحية العملية، خصوصاً مع تراجع سقف المطالب ومضي أديس أبابا في تنفيذ سياستها المنفردة في التعامل مع مياه النيل، رغم تحذيرات المختصين حول الآثار البيئية المرتبطة بالسد. وكانت إثيوبيا حوّلت جدول المفاوضات لتكون حول تفاصيل بناء السد وكيفية إدارته وتشغيله، فيما لم يتم التوصل، حتى الآن، إلى اتفاق واضح بشأن آلية عمله التي طلبتها مصر، وخصوصاً بشأن معدلات تصريف المياه خلال مواسم الجفاف، فضلاً عن الدراسات الإنشائية حول سلامته، والشراكة في إدارته وطريقة تشغيله بما يسمح بتدفّق المياه بمعدلاتها الطبيعية نحو الأراضي المصرية، علماً أن مياه النيل تشكّل مصدراً رئيسياً لنحو 85% من موارد المياه في مصر.
وتفيد مصادر «الأخبار» بـ«صدور توجيهات إعلامية إلى وسائل الإعلام المحلية (المصرية) بتجاهل القضية بشكل كامل»، على الرغم من أنها أحد المخاطر الرئيسية التي تحيط بالأمن القومي المصري، في وقت باتت فيه تحالفات القاهرة التي سعى السيسي في فترة من الفترات لتكوينها لمحاصرة إثيوبيا، على غرار التنسيق مع الصومال وتشاد، في مهب الريح، بسبب عدم بلورتها بشكل متكامل، ووجود نفوذ إماراتي – تركي متزايد لم يستطع الجنرال المصري مواكبته.