شرم الشيخ ـ «لا وجود للعرب من دون مصر»، حديث إماراتي قديم أحياه نائب رئيس الوزراء الإماراتي وحاكم دبي، محمد بن راشد، الذي أعلن خلال المؤتمر الاقتصادي الذي عقد بأول أيامه في شرم الشيخ، أن «مصر هي البلد الثاني للإماراتيين... والإمارات هي البلد الثاني للمصريين»، لتتوالى بعد ذلك كلمات رؤساء وملوك الدول العربية الذين «تباروا» في إعلان حجم السيولة المالية التي سيضخونها، عبر ودائع أو استثمارات، في مصر، خلال المرحلة المقبلة.

وخلال اليوم الأول للمؤتمر الاقتصادي، أدار الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، مجموعة من اللقاءات السياسية قبل بدء المؤتمر، وكان من أهم هذه الاجتماعات «القمة الرباعية» القصيرة مع الملك الأردني عبد الله الثاني، ورئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس، ووزير الخارجية الأميركي جون كيري (راجع عدد اليوم).
على هامش اللقاء، أعاد السيسي وعبد الله الحديث عن القوة العربية الموحدة «التي بات إعلانها قريباً»، وأكدا ضرورة أن يكون الأردن جزءاً من هذا التشكل العربي العسكري الجديد. أما اللقاء مع كيري، فكان مختلفاً كما تقول مصادر سياسية، إذ إنه للمرة الأولى «يجهد» كيرى لدعم مصر اقتصادياً، متحدثاً بـ«حماسة غير معتادة» عن أن الولايات المتحدة «شريك مصر في التقدم نحو الازدهار». وأشاد الوزير الأميركي بقرار السيسي الخاص بإقرار قانون الاستثمار قبل المؤتمر بساعات قليلة، على أن ذلك «سيحفز المستثمرين الأميركيين على الدخول في مشاريع كبرى مع مصر».
من جهة أخرى، أوضحت الممثلة الخاصة عن السفارة الأميركية، أن «خطأ» كيري الذي جرى صباحاً خلال لقائه وزير الخارجية المصري، سامح شكري، كان «زلة لسان ليس أكثر»، إذ كان كيري قد أخطأ في ذكر اسم مصر ووضع بدلاً منها إسرائيل في الجملة التي قال فيها إن «علينا العمل جميعا من أجل مستقبل إسرائيل». وكذلك ذكرت السفارة الأميركية أن خطأ وزير الخارجية ناتج من «تشتت تركيزه بسبب السفر وقلة النوم».
في السياق، نقلت مصادر صحافية واكبت الاستقبالات في مطار الشيخ أن اللقاءات الثنائية السريعة التي أجراها السيسي مع الرؤساء العرب كانت تحمل «حرارة وحفاوة» كبيرتين، ودارت جمل الترحيب بين السيسي والقادة العرب حول دعم خيارات الرئيس المصري ومواقفه حيال القضايا الإقليمية، وتحدثوا عن القرارات المتفق عليها مسبقاً بشأن القوات العربية المشتركة.
يعلق رئيس البرلمان العربي، أحمد بن علي الجروان، بالقول إن المؤتمر الاقتصادي يحمل «رسالة سلام لمصر والعالم»، لافتاً إلى أن «مصر دولة كبيرة وواعدة، لكنها تواجه تحديات كبيرة وهي قادرة على تخطيها». ورأى الجروان أن حضور دول كثيرة للمؤتمر «رسالة أمان لكل رجال الأعمال على مستوى العالم من أجل الاستثمار في مصر».
ولعله كان لافتاً «الوجه البشوش» لرئيس الوزراء الإيطالي، ماتيو رينزي، الذي قال إن بلاده ومصر «بدأتا أعمال تدريب مشتركة للقوات المسلحة»، مشدداً على ضرورة التعاون من أجل التصدي «للإرهاب القريب في ليبيا الذي يهدد دول حوض البحر المتوسط». وأضاف رينزي: «إيطاليا قررت ألا تفوت هذه اللحظة التاريخية في التعاون مع المنطقة العربية من خلال مصر، ولدينا الرغبة أن تكون إيطاليا الجسر المصري لأوروبا».
الصورة الأبرز للاستقبالات كانت لمحمد بن راشد، الذي سبقه ولي عهد أبو ظبي محمد بن زايد بزيارة إلى القاهرة قبل يومين، ثم حضر مجدداً في المؤتمر. ويمكن التماس طبيعة الحضور الإماراتي، عبر مقالة وزير الدولة الإماراتي، سلطان الجابر، التي نشرها في صحيفة «وول ستريت جورنال» الأميركية، وقال فيها إنه «حان الوقت ليظهر شركاء مصر الدوليون التزامهم الحقيقي بدعمها»، مضيفاً أنهم «يؤمنون بأهمية قوة القاهرة واستقرارها». وأقر الجابر، في المقالة المنشورة أمس، بأن الإمارات «مثل كل الدول العربية الأخرى» لها نصيب من ميراث مساهمات مصر على مدار عقود للمنطقة والعالم، مكملاً: «كنا، نحن الإماراتيين، أصدقاء وشركاء لمصر حتى من قبل مولد الإمارات، والآن نحن حريصون على تعبئة الموارد البشرية والمالية العامة لمصر خلال وقت حاجاتها، لأن استقرار مصر هو استقرارنا».
كذلك رأى الوزير الإماراتي أن «المؤتمر فرصة للحديث مباشرة إلى كبار المستثمرين العالميين عن الخطوات التي اتُّخذت من أجل تنفيذ إصلاحات هيكلية (في الحكومة المصرية) وتعديل القوانين والإجراءات القديمة وخلق بيئة لتواصل أعمق، لكن السيسي ومن يقودون المؤسسات في مصر يفهمون أنه لا توجد إصلاحات سريعة... الحكومة (المصرية) تقوم بإصلاحات هيكلية صعبة لكنها ضرورية».