وبالعودة إلى موقف أوزيل، فهو تحدّث بعد اجتماع في مقرّ الحزب في منطقة صوما، الأحد الماضي، عن أن «لوحات الإعلان والآرمات المكتوبة باللغات الأجنبية منظّمة بالقانون. وعلى رؤساء البلديات أن يقوموا بتطبيق هذه التعليمات. إن مبادرة رئيس بلدية إلى نزع اللوحات بنفسه من دون إخطار مسبق لأصحاب الأمر والالتزام بالقوانين المرعية هو إجراء شعبوي. هذا ليس سليماً. فضلاً عن ذلك، عندنا حوالى ستة ملايين مواطن تركي في هاتاي (الإسكندرون) وشانلي أورفة وماردين وباتمان هم من أصول عربية ولغتهم الأم هي العربية. عدم الاحترام الذي يمارَس تجاه اللغة العربية هو عدم احترام لهؤلاء الأشخاص الذين يتحدّثون بها. لذلك، ينبغي المحافظة على الأصول، فضلاً عن أن القرآن الكريم هو باللغة الأصلية للعربية». ووفق أوزيل، فإن «بعض السياسيين عندنا يستخدمون كلمة «عربي» كما لو أنها كفر. عندنا ستة ملايين عربي ويجب أن نلتقي فوراً مع سوريا، وأن نضمن السلام. وعلى الأمم المتحدة أن تنشئ صناديق ليتمكّن اللاجئون من العيش في بلادهم. وعلى تركيا أن تشجّع على عودة اللاجئين. حتماً لسنا معادين للاجئين، وعليهم أن يعودوا إلى بلادهم. نحن أعداء السياسات التي تنتج لاجئين، أعداء مَن يحرّض على الحرب الأهلية لدى جارنا. ما فعله هؤلاء السياسيون انقلب علينا. ونحن في البلديات التي نرأسها، حتماً وحتماً يجب ألا نمارس سياسات تظهر مشاهد لا نريدها وتخلق عداوات». وممّا قاله أوزيل أيضاً: «العربية هي لغة القرآن والشعب يتأذى. هناك قوانين بهذا الخصوص تنص على ألا تتعدّى نسبة اللوحات باللغات الأجنبية 25% من اللوحات باللغة التركية. لا يمكن للمسألة السورية أن تُحلّ من قِبل البلديات، ولا يمكن أن تعيدوا السوريين إلى بلادهم من خلال منعهم من الزواج».
أوزيل: «بعض السياسيين عندنا يستخدمون كلمة «عربي» كما لو أنها كفر»
وتُعتبر مواقف أوزيل تلك، ذات أهمية في اتّجاه «تنظيف» صورة «حزب الشعب الجمهوري» من كونه حزباً «معادياً للدين والقرآن والعرب»، فضلاً عن أنها تأتي بعدما فاز في الانتخابات البلدية (31 آذار) ببرنامج حمل وعوداً بمعالجة المشكلات المتعدّدة التي خلقها الوجود السوري في تركيا، ولا سيما على الصعيدَين الاقتصادي والاجتماعي، والتي وصل الغليان من جرائها إلى حد ارتكاب ممارسات عنفية ضد اللاجئين. ولذا، أثنى الكاتب في صحيفة «آيدينلق»، محمد يوفا، على مواقف أوزيل، قائلاً إنها «تضفي قوّة على صاحبها وتستحق الشكر العميق من الستة ملايين عربي في تركيا»، كما أنها «تساهم في إفشال المشاريع الإمبريالية والاستعمارية التي تريد تعميق النزْعات الطورانية والكردية والعربية والدينية والشركسية».
لكنّ المفارقة أن الاعتراضات على مواقف أوزيل، زعيم «الشعب الجمهوري»، الرمز الأول للعلمانية في تركيا، جاءت من قِبَل العلمانيين أنفسهم؛ إذ اعترض البروفسور شاهين فيليز على كلامه، مدّعياً أن «اللغة العربية ليست لغة القرآن. القرآن هو بالعربية وكفى. اللوحات المكتوبة بالعربية ليست آيات كريمة لكي يتأذّى من إنزالها الشعب التركي (...) أيُّ زعيم معارضة أنت؟ وأيّ سلطة يمكن أن يديرها مثل هذا العقل الضعيف؟ إن لغة الجمهورية التركية هي التركية وما عداها يُعتبر لغة أجنبية. وكائناً من يكون، فإن مَن يتعامل مع التركية على أنها هامشية هو الأجنبي».
من جهته، أشار الكاتب مراد فيلكين إلى أن «السوريين لم يأتوا إلى تركيا ليعيشوا أو يعملوا، بل هرباً من الحرب. الآن انتهت الحرب، وعليهم أن يعودوا إلى بلادهم. هل يجب أن نعتبر لوحة مكتوبة بالعربية عن فطائر اللحم بعجين أو على علبة السجائر مقدّسة؟». أمّا الشاعر المعروف، أتاؤل بهرام أوغلو، فكتب في صحيفة «جمهورييات»: «كون اللغة العربية هي لغة القرآن لا يكسبها قداسة. القداسة في ما تقول وليس في اللغة. اللغة في النهاية مجرّد أداة». ورأى بهرام أوغلو أن «تعدّد كتابة اللوحات بلغات مختلفة يخلق فوضى. اللغة هنا هي التركية، والأبجدية هي اللاتينية... السبب الأصلي لحبّ العرب والعربية والأبجدية العربية في بلادنا هو، في الوعي أو الوعي الباطني، العداء لثورة الجمهورية».