حكم المحكمة لن يَصدر غداً، ولا حتى في الأيام القريبة المقبلة
مع ذلك، لا يبدو معقولاً أن تَقبل «العليا» بتقليل صلاحياتها، لعدّة اعتبارات لا ترتبط فحسب بالقواعد القانونية والاجتهادات والآراء الفقهية، بل وكذلك بالهوية السياسية والاجتماعية وطبيعة نظام الحكم الذي يعطي القضاء صلاحية إدارة الخلاف بين مركّبات المجتمع الإسرائيلي، والتي تتباين في آرائها وتطلّعاتها وطرق عيشها، إلى حدّ يحذّر معه كبار السياسيين وعلماء الاجتماع من أنه سيدفع نحو احتراب داخلي إذا لم يجرِ ضبطه، ومنع تغليب أحد أطرافه على الآخرين. من هنا، يَظهر مرجّحاً أن تعمد المحكمة إلى توسيع صلاحياتها، بما يكفل لها إمكانية النظر في «قوانين أساس». على أن قانون «المعقولية» بذاته يشكّل محور تجاذب بين فقهاء القانون على اختلاف مذاهبهم ومدارسهم، ومن بينهم بطبيعة الحال قضاة في «العليا»، الأمر الذي يعني أن احتمال نأي المحكمة بنفسها عنه، أو حتى مصادقتها عليه، يظلّ قائماً ومعتدّاً به.
لكن اللجوء إلى أيّ من الخيارَين المشار إليهما أعلاه لن يغيّر من النتيجة؛ إذ إن المهم والحاسم في حكم «العليا» المرتقب، هو أن تسمح أو لا تسمح لنفسها بالنظر في القوانين ذات المكانة الدستورية الصادرة عن «الكنيست»، بما سيحدّد الضفة التي ستقف عليها بين المعارضة والموالاة، وقد يكون كفيلاً بحسم أزمة طالت وأظهرت كلّ ما في إسرائيل من عيوب. والواقع أنه إن قرّرت المحكمة توسيع صلاحياتها، فستمنع الحكومة من سنّ قوانين وتشريعات مختلفة، كان قد أعلن عن معظمها، ومن شأنها تغيير نظام الحكم في إسرائيل، ليشابه في كثير من وجوهه وطرقه النظام البولندي أو المجري، حيث يمكن للائتلاف الحاكم أن يسنّ ما يشاء، بلا حسيب أو رقيب، ليس في ما يتعلّق بفلسطينيي عام 1948 فحسب، بل وأيضاً وببقيّة اليهود، ما سيدفع، والحال هذه، نحو مزيد من الاحتقان، وربّما أيضاً نحو الاحتراب نفسه.
على أيّ حال، فإن حكم المحكمة لن يَصدر غداً، ولا حتى في الأيام القريبة المقبلة، بل قد تمتدّ مداولاتها أشهراً طويلة، الأمر الذي سيخفّف من الوقع المنتظَر للحكم، ويمنع مفاقمة أزمة باتت غير مسبوقة في كيان يعاني من تشرذم اجتماعي حادّ، تسعى في خضمّه كلّ جماعة، ليس فقط إلى تعزيز مكانتها ومكاسبها، بل إلى إضعاف الجماعات الأخرى، وفرض إرادتها عليها.