كيف يجب على الولايات المتحدة أن تتصرّف في المفاوضات النووية الجارية في فيينا، والتي يبدو أنها وصلت إلى طريق شبه مسدود؟ بكلّ بساطة، لا أحد يملك الإجابة. حتّى الآن، تنتهي غالبية الجهود الهادفة إلى مساعدة واشنطن على بلورة «خريطة طريق»، إلى الحلّ العسكري، الذي غالباً ما تتبعه أيضاً كلمة «ولكن». في هذه الكلمة تحديداً، تكمن الحقيقة، وهي أن القوّة العسكرية غير مطروحة، حالياً، على الطاولة الأميركية، طالما أن هناك مساحة، ولو محدودة، للديبلوماسية، التي «غالباً ما تتحرّك في ياردات، ولكن مع الإيرانيين تتحرّك بالبوصة»، وفقاً لدانيال ديبيتريس، في مجلّة «نيوزويك». هذا الأخير يرى أنه طالما أن الولايات المتحدة هي الطرف الأقوى، فمن المحتمل أن تحتاج إلى تقديم بعض التنازلات الأولية لتحريك إيران نحو موقفٍ أكثر مرونة. لا يريد ديبيتريس بثّ اليأس في نفوس المتحمّسين للحلول العسكرية، بقدر ما يهتمّ بالحفاظ على ماء الوجه الأميركي، في ظلّ التخبّط الذي يعانيه الغربيون عموماً، أمام الإصرار الإيراني على الحصول على الحدّ الأدنى، المتمثّل في الالتزام بالاتفاق، وفي رفع العقوبات.غير أن لورانس نورمان وبرايان سبيجيل، لا يمانعان فقدان ماء الوجه هذا، من خلال «لجوء أميركا إلى روسيا والصين، لإنهاء المواجهة مع إيران». ينقل الاثنان عن مسؤولين غربيين قولهم، في تقرير في صحيفة «ذي وول ستريت جورنال»، إن الطريق الأسرع لزيادة الضغط الاقتصادي والسياسي على حكومة طهران الجديدة المتشدّدة، يمرّ عبر بكين وموسكو. مقاربةٌ يركّز عليها، أيضاً، جاكوبو سيتا، في معهد «ذي أتلانتك كاونسل»، حيث يَعتبر أن الصين، تحديداً، «هي مقياس المحادثات النووية»، منطلِقاً من فكرة أن «هذه الأخيرة لا تزال تقيّم خطّة العمل الشاملة المشتركة، على أنّها فعّالة لمنع انتشار الأسلحة النووية». ولعلّ الأهمّ من ذلك، هو «الرؤية التي دفعت، في الأساس، بكين إلى دعم حلٍّ سلمي للقضية النووية الإيرانية، والتي تتمثّل في أنّ الحرب مع طهران، ستكون مدمّرة للمصلحة والأمن الصينيَين». وبالنظر إلى مدى عمق التواجد الصيني في الخليج، الآن مقارنة بعقدٍ مضى، فإن الأولوية بالنسبة إلى بكين تكمن في الاستقرار الإقليمي، خصوصاً أن التكاليف المباشرة وغير المباشرة للصراع قد تضاعفت. وإلى أبعد ممّا تقدّم، يذهب سيتا باعتباره أن مجرّد وجود «خطّة العمل الشاملة المشتركة»، هو الذي سمح للصين بتحويل مواردها الديبلوماسية بعيداً من المسألة النووية الإيرانية، على الرغم من التوتّرات التي أعقبت عام 2018، والتي أثارها الانسحاب الأميركي من الاتفاق. ومن هنا، تُفسَّر ما يُقال إنها الجهود التي بذلتها بكين لتليين موقف طهران خلال الجولة الأخيرة من المحادثات في فيينا، والتي تُعتبر خروجاً مهمّاً عن الدور الأدنى الذي لعبته في الجولات السابقة. وبالعودة إلى «وول ستريت جورنال»، فقد «كان الوفد الصيني أكثر نشاطاً خلال الجولة السابعة، حيث شارك مع الأطراف الأخرى درجة معيّنة من الإحباط تجاه مطالب إيران غير البنّاءة»، بل إن نورمان وسبيجل يشيران، في تقريرهما، إلى أن «كبير مفاوضي الصين ضغط على نظيره الإيراني، من أجل تبسيط مشروعَي النصّين اللذين يحتويان مقترحات طهران، بشأن رفع العقوبات والالتزامات النووية». وما يمنح بكين قدرة تأثير على طهران، من وجهة نظرهما، يتمثّل في «اتفاقية الشراكة الاستراتيجية» التي وُقّعت أخيراً بين البلدين، في الوقت الذي واصلت فيه الصين استيراد كمية كبيرة من النفط الإيراني عبر دول وسيطة.
في هذا الوقت، لا تزال الأصوات الناطقة باسم إسرائيل في الولايات المتحدة تدْفع في اتجاه إظهار «الجدّية» في مواجهة البرنامج النووي الإيراني، وهو ما ركّز عليه مثلاً بيان نشرته مجموعة من الخبراء والمسؤولين السابقين الأميركيين، المعروفين بدعمهم لإسرائيل، ومن بينهم روبرت سوتلوف، ودنيس روس، وليون بانيتا... في «معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى». وعلى رغم إعراب تلك المجموعة عن تأييدها لاستخدام إدارة جو بايدن الوسائل الديبلوماسية، إلّا أنّها طالبت بـ»إقناع إيران بأنّها ستُعاني من عواقب وخيمة، إذا بقيت على مسارها الحالي». ومن هنا، فإن التحدي يكمن في «كيفية استعادة مصداقية الولايات المتحدة في عيون قادة إيران». وهذه المصداقية بالذات، هي نفسها التي اهتمّ بها وزير الأمن الإسرائيلي، بيني غانتس، خلال زيارته واشنطن، حيث شدّد، في لقائه نظيره الأميركي، لويد أوستن، على أنه يجب على الولايات المتحدة إقناع الإيرانيين بأنّهم يواجهون تهديداً عسكرياً أميركياً ذا مصداقية، من خلال الضغط الديبلوماسي الإضافي وإبراز القوة في المنطقة، من أجل إعادة إيران إلى اتفاق عام 2015، وفقاً لما أفاد به مسؤولون إسرائيليون، موقع «أكسيوس» الأميركي.
تدفع الأصوات الناطقة باسم إسرائيل في واشنطن لإظهار «الجدّية» في مواجهة البرنامج النووي الإيراني


وفي الاتجاه نفسه، ذهبت المجموعة الموقّعة على بيان «معهد واشنطن»، إلى حدّ اعتبار أنه «يجب على إدارة بايدن أن تتخذ خطوات تقود إيران إلى الاعتقاد بأن الاستمرار في سلوكها الحالي، ورفض قرار ديبلوماسي معقول، سيعرّض بنيتها التحتية النووية بالكامل للخطر». ولكن هل سيفلح هذا الخيار؟ بالنسبة إلى روبرت ليتواك، الجواب هو لا. يستعرض ليتواك، في «معهد ويلسون»، مقاربة مختلفة تتمثّل في «مضاعفة الولايات المتحدة وإسرائيل هجماتهما الإلكترونية (على سبيل المثال، Stuxnet)، وعمليات الاستخبارات السرية لتعطيل برنامج إيران النووي». وفيما يشير إلى إمكانية إحياء مناقشة الخيار العسكري، في حال انهارت «خطّة العمل المشتركة الشاملة»، فإنه يلفت إلى أن هذا الخيار يواجه أربعة إشكالات رئيسة:
- أولاً، لن يؤدّي إلّا إلى انتكاس البرنامج لعدة سنوات، وليس إنهائه. وهنا، يمكن الإشارة إلى أن وزير الدفاع السابق، ليون بانيتا، كان قد قدّر، في عام 2011، بأن تستغرق إعادة إحياء البرنامج ثلاث سنوات لا أكثر.
- ثانياً، ستنظر طهران إلى العمل العسكري على أنه انطلاقة حرب للإطاحة بالنظام، وهو الأمر الذي تعهّدت القيادة الإيرانية بتوسيع دائرة الردّ عليه جغرافياً.
- ثالثاً، يمكن أن يؤدّي أيّ هجوم أميركي إلى ردّ فعل قومي عنيف داخل إيران، «مع النتيجة الضارّة المتمثّلة في تعزيز نظام الملالي».
- رابعاً، بصرف النظر عن الادعاءات بشأن القدرة الأميركية على إحداث انهيار في الأهداف المحصّنة، فإن الضربات العسكرية على المواقع «الساخنة» التي تحتوي على مواد انشطارية سامة (على سبيل المثال، سداسي فلوريد اليورانيوم واليورانيوم المخصّب، وما إلى ذلك) قد تكون لها عواقب بيئية وخيمة.