الخصوصية الاستعمارية
على مستوى الحملات الانتخابية، تَبرز العديد من المواضيع الخلافية كالبرامج الاقتصادية والاستثمارات، والطاقة النووية، والهجرة، والاتحاد الأوروبي. وفي ما يتّصل بالإطار الأخير تحديداً، يهيمن في مواجهة العولمة النيوليبرالية، الخطاب السيادي، الذي يدافع عن سيادة القانون الوطني على قانون الاتحاد الأوروبي. وبينما يرتكز هذا الخطاب، على جهة اليمين المتطرّف، إلى مبدأ إعلاء هوية الأمّة، تمثّل المعاهدات الأوروبية واتّفاقات السوق الحرّة مسألة إشكالية بالنسبة إلى اليسار أيضاً. ولكن على كلتا الضفّتَين، من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار، أدرك المرشّحون أن الخروج من الاتحاد الأوروبي يثير قلق الناخبين. ومن هنا، سيتمسّك «الماكرونيون»، مثلاً، بسياساتهم الداعمة للتكتّل، خصوصاً بعد قضيّة الغواصات مع أستراليا. وما يعزّز توجّههم هذا إدراكهم، مثل كلّ داعمي الاتحاد الأوروبي، أن فرنسا فقدت، منذ وقت طويل، قوّتها الجيوسياسية والاقتصادية، ولا تستطيع أن تقف بمفردها في وجه القوى العظمى، من مثل الولايات المتحدة والصين.
في مقابل القضايا الخلافية، ثمّة مواضيع جامعة بين المرشّحين، ربّما تدلّ على الخصوصية الفرنسية
في مقابل القضايا الخلافية، ثمّة مواضيع جامعة بين المرشّحين، ربّما تدلّ على الخصوصية الفرنسية. وهو ما يتجلّى، مثلاً، في الاستمرارية الاستعمارية، التي تعدّ سمة عنصرية عميقة تجمع بين اليسار واليمين، انطلاقاً من استعلاء الحضارة الأوروبية - المسيحية، وإرادة التسلّط على الشعوب المستعمَرة، وتحديداً الشعوب العربية - الإسلامية، لـ«تنويرها وإنقاذها من ثقافتها ومعتقداتها المتخلّفة»، وبالتالي سلخها عن هويّتها وحقّها في التعبير عنها، بحجّة أن قيم «الجمهورية العلمانية واحدة ولا يمكن تجزئتها». ولعلّ أبرز نموذج على ذلك يتمثّل في ردود الفعل التي أثارتها حملة «الحرية في الحجاب»، والتي أطلقها «برنامج الإدماج ومكافحة التمييز» التابع للمجلس الأوروبي، في 28 تشرين الأول الماضي، إذ استدعت انتقادات شديدة من قِبَل السياسيين الفرنسيين، اليساريين واليمينيين، وحتى من قِبَل الحكومة، الأمر الذي أدّى إلى سحبها بعد بضع ساعات من بدئها. وفي هذا السياق، رأى وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لودريان، أن «هناك فرقاً كبيراً بين الدفاع عن حرية المعتقد والدين، وبين جعْل مؤسّسة، مثل المجلس الأوروبي، تشجّع علامة دينية أو لباساً معيّناً»، فيما قالت المرشّحة اليمينية فاليري بيكريس، في تغريدة على موقع «تويتر»، إن الحجاب «ليس رمزاً للحرية، بل للخضوع». واستنكر المرشّح اليميني إريك سيوتي، بدوره، «الترويج للحجاب الإسلامي»، و«إنكار جذورنا اليهودية - المسيحية». وعلى مقلب اليسار، اعتبرت عضو مجلس الشيوخ الاشتراكي، لورانس روسينيول، وهي الوزيرة السابقة لحقوق المرأة والداعمة لترشيح أرنو مونتبورغ للرئاسة، أن «التذكير بأن المرأة حرّة في ارتداء الحجاب» ليس أمراً خلافياً، و«لكن القول إن الحرية في الحجاب، يُعتبر ترويجاً له». أمّا مارين لوبان (يمين متطرّف)، فقد وصفت في تغريدة «هذه الحملة الأوروبية المؤيّدة للحجاب الإسلامي بأنها فضيحة غير مقبولة. عندما تزيل المرأة الحجاب تصبح حرّة، وليس العكس!». ولم يفوّت إيريك زيمور، من جهته، الفرصة للزعم مجدّداً بأن «الإسلام هو عدو الحرية».