مرة جديدة، أعلنت «شركة نيويورك تايمز» الأميركية، التي تُصدر صحيفة «نيويورك تايمز»، أن أرباحها ارتفعت خلال الربع الثاني من العام الحالي، بفضل نموّ اشتراكاتها الرقمية، رغم استمرار الصعوبات التي تواجهها الصحيفة جراء تراجع عائدات الإعلانات في النسخ الورقية. في تقرير نشرته أمس، أعلنت الصحيفة أنها اقتربت من عتبة أربعة ملايين مشترك بعد تسجيلها 109 آلاف مشترك إضافي، في نسخها الرقمية وحدها.وفي نهاية حزيران/يونيو الماضي، بلغ عدد مشتركي الصحيفة الأميركية 2,89 مليون شخص بالنسخة الرقمية حصراً، و3,8 ملايين في المجموع، بما يشمل القراء الذين لا يتلقّون سوى النسخ المطبوعة.
وفق إعلان الصحيفة، شكّلت عائدات الاشتراكات في الربع الثاني من 2018 ما نسبته 62,8% من إجمالي إيرادات المجموعة، أي ما يقرب من ثلثي العائدات في مقابل النصف فقط (50,5 %) قبل خمس سنوات.

تعويضٌ عادل
في التقرير نفسه، رأى الرئيس التنفيذي لـ«شركة نيويورك تايمز»، مارك تومسون، أنه «لا نزال نظن أن ثمة إمكانية كبيرة لتوسيع هذه القاعدة (من المشتركين) بنحو ملموس»، خصوصاً أنه نموّ يعوّض جزئياً التراجع في الواردات الإعلانية. فقد سجل رقم الأعمال المتصل بالاشتراكات ارتفاعاً بنسبة 4,2% خلال عام، فيما شهدت الواردات الإعلانية تراجعاً بنسبة 9,9%.
وفي المقارنة مع الفترة عينها قبل خمس سنوات في 2013، تراجعت الإيرادات الإعلانية بنسبة كبيرة بلغت 42%. حتى إن الإيرادات المتأتية من الإعلانات عبر الإنترنت وحدها، التي تشكل عادةً محركاً أساسياً للنموّ، تراجعت مقارنةً بالفترة عينها في عام 2017 بنسبة 7,5%. وفي المحصَّلة، بلغت إيرادات الصحيفة 414 مليون دولار في ارتفاع نسبته 4,2% خلال عام.
يشار إلى أنها ليست المرة الأولى التي تعلن فيها «شركة نيويورك تايمز» زيادة أرباحها بفضل نمو اشتراكاتها الرقمية؛ إذ سبق أن أفادت الصحيفة في تموز/يوليو 2017 بأن صافي أرباحها خلال الربع الثاني من العام المذكور، بلغ 15,6 مليون دولار، أي ما يعادل 9 سنتات للسهم الواحد.
وأشارت، في حينه، إلى زيادة عدد الاشتراكات الرقمية بمقدار 93 ألف اشتراك خلال ثلاثة أشهر فقط، أي بزيادة نسبتها 69% على عدد الاشتراكات الجديدة خلال الفترة نفسها من عام 2016، فيما زاد عدد مشتركي النسخة الرقمية فقط بمقدار الضعف خلال عامي 2014 و2015.
قد يقابِل نموّ الصحافة الإلكترونية انخفاضاً في الإنفاق على إعلانات الصحف المطبوعة (أ ف ب )

«قنبلة ترامب»
ما يبدو لافتاً في تقرير أمس، تحليل «نيويورك تايمز» لأسباب نموّ إيرادات إعلاناتها الرقمية، التي شهدت زيادة بنسبة 23 في المئة في الربع الثاني من عام 2017 ، وهو ما بدا مفاجئاً و«غامضاً» للصحيفة، في ظلّ المنافسة المحتدمة التي خلقتها مجموعات عملاقة مثل «غوغل» و«فايسبوك» في الإعلانات الإلكترونية. لكن الصحيفة أرجعت الفضل جزئياً إلى ما أطلقت عليه اسم «قنبلة ترامب» (Trump bomb). وبلغة أوضح، فإنّ نجاحها في جذب عدد قياسي من المشتركين الرقميين إثر تغطية أخبار إدارة الرئيس، دونالد ترامب، وفي المضامين التحريرية عموماً، التي نالت بفضلها أخيراً ثلاث جوائز «بوليتزر»، عن الأخبار الدولية وصور الأخبار العاجلة وكتابة القصة الصحافية.
وهي للمناسبة جوائز وإنجازات تنافي، بشكلٍ أو بآخر، «سردية» موت الصحافة، في إطار الحديث عن أزماتها الكثيرة عموماً. فالأزمات المالية التي تعانيها الصحافة، محلياً وعالمياً، لا ترتبط بالضرورة بالتراجع المهني وبـ«تردّي» نوعية المحتوى.

الصحافة الورقية «تتآكل»؟
عملياً، يمكن القول إن «نيويورك تايمز» استعادت توازنها بفضل الاشتراكات الرقمية. لكن إنجاز الصحيفة يعيدنا في نهاية المطاف إلى النقاش المستمر حول واقع الصحافة الورقية ومستقبلها وأزماتها، خصوصاً أن الواقع المأزوم المتمثل في تراجع العائدات الإعلانية، دفع العديد من الصحف، خلال العامين الماضيين، إلى إيقاف النسخ المطبوعة، أبرزها «وول ستريت جورنال»، التي أعلنت في أيلول/سبتمبر 2017 التوقف عن إصدار طبعتها الورقية في آسيا وأوروبا. ونذكر أيضاً «ذي غارديان» البريطانية التي قررت، مطلع العام الجاري، إسناد طبعها مع «ذي أوبزرفر» التي تصدر كل أسبوع يوم الأحد، وتحولت إلى صحف بحجم أصغر (تابلويد). حتى مجلة «نيوزويك» التي لطالما احتلت نسختها الورقية المرتبة الثانية مباشرة بعد مجلة «تايم»، اضطرت إلى التوقف عن الطباعة أواخر عام 2012، قبل أن تستأنف إصدار نسختها المطبوعة الأسبوعية في النصف الأول من عام 2014.
وعليه، يُرجَّح أن يقابِل نموّ الصحافة الإلكترونية وعائداتها انخفاضاً كبيراً في الإنفاق العالمي على إعلانات الصحف المطبوعة، وفقاً لتقديرات الشركة المتخصصة في شراء الإعلانات «GroupM».
والمفارقة أن النتيجة نفسها سبق أن أكدها الرئيس التنفيذي لـ«نيويورك تايمز»، قبل أشهر قليلة، حين قال، في تصريح لشبكة «سي أن بي سي» (CNBC)، إن «صناعة الصحافة الورقية لن تستمر أكثر من عقد إضافي من الزمان»، مؤكداً أنها «تتآكل».