يطفو اسم الرئيس التركي السابق، عبدالله غول، على السطح، منذ أيّام عدّة، كمرشّح محتملٍ لدى قوى المعارضة للانتخابات الرئاسية، وذلك قبل شهرين من الانتخابات الرئاسية والبرلمانية المبكرة، في ظلّ استمرار المفاوضات والنقاشات الانتخابية في البلاد. لكن خطّة غول، المفضّل لدى بعض القوى الليبرالية الإسلامية، بأن يكون المرشح الأوحد للمعارضة، تصطدم بواقع أن القوى العلمانية والقوى اليسارية المعارِضة لا تريده مرشحاً يمثّلها على ما ظهر اليوم من تصريحاتهم، إضافةً إلى تمسّك رئيسة «الحزب الجيد»، ميرال أكشنار، المنشقّة عن «حزب الحركة القومية»، بترشيحها. أكّدت أكشنار بعد لقائها رئيس «الشعب الجمهوري»، كمال كيليتشدار أوغلو، اليوم، أنها لا تزال مرشّحةً للرئاسة، معبّرةً عن «امتنانها» لـ «الشعب الجمهوري» بسبب الدعم الذي قدّمه لحزبها لضمان استمراره في السباق الانتخابي، وذلك بعد انضمام 15 نائباً من «الشعب الجمهوري» لـ «الحزب الجيد». فيما لم تتضح بعد كافة ترشيحات المعارضة بمشاربها المختلفة، لكن من المرجح أن يعلن «حزب الشعب الجمهوري» العلماني، غداً، اسم مرشحه، مع رفضه اليوم بوضوح أن يكون غول المرشح الأوحد للمعارضة ككلّ بوجه حليفه السابق، الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان.
عبرت أكشنار عن امتنانها لزعيم الشعب الجمهوري (أ ف ب )


غول: أنا أو لا أحد
يتزامن ذلك مع اجتماعٍ عُقد اليوم بين الصديقين القديمين، عبدالله غول ورئيس «حزب السعادة» الإسلامي، تمال قره ملا أوغلو، في اسطنبول، لمناقشة ترشّح غول للرئاسة. فيما لم يصدر حتى الآن أي موقف أو تصريح من الاجتماع، لكن قره ملا أوغلو، كان يجري في الأيّام الماضية مفاوضات مع «الشعب الجمهوري» وأكشنار بهدف «تشكيل تحالفات وتحديد المرشحين» لانتخابات 24 حزيران/ يونيو المقبل، وفق ما ذكرت صحيفة «حرييت» التركية. قد يكون الهدف من تلك المفاوضات إقناع قوى المعارضة بالقبول بغول ممثلاً عنها ومرشحاً وحيداً عنها بمواجهة أردوغان، وهي النقطة التي تجعل من ترشيح غول المحتمل، غير مؤكّد بعد. غول قد اشترط على قره ملا أوغلو، وفق ما كتب عبد القادر سيلفي في «حرييت»، أن يكون ترشيحه «ترشيحاً مشتركاً» لجميع الأحزاب، على رغم أن أي موقفٍ في هذا الشأن لم يصدر بعد عن غول.
الصحف المقربة من أردوغان تزعم أن «حزب العمال الكردستاني» وجماعة فتح الله غولن وبعض القوى الخارجية، تحضّر «مؤامرة» ضدّ تركيا وأردوغان. برز ذلك في تصريحات لرئيس «حزب الحركة القومية»، دولت بهجلي، حليف أردوغان، قال فيها إن هناك «استراتيجية خبيثة للغاية لإعداد الرأي العام في شأن ترشح الرئيس السابق عبد الله غول للانتخابات المقبلة»، وذلك في سلسلة تغريدات نشرها على «تويتر»، أمس. أضاف بهجلي، الذي كان أوّل من دعا لإجراء انتخابات مبكرة، أن «تنظيم غولن الإرهابي يقود عملية تقبل بها منظمة «بي كا كا» الإرهابية (حزب العمال الكردستاني) ويتحمّس لها أعداء تركيا، فيما يطالب أحزاب الشعب الجمهوري والشعوب الديموقراطي والسعادة بحماسة ترشح عبد الله غول للانتخابات الرئاسية».

غادر غول الحزب الحاكم عام 2014 بعد خلاف مع أردوغان (الصورة عن الويب)

الصحف اليسارية ترفض بشدّة التصويت لعبدالله غول كمرشّح موحّد، على اعتبار أنّه «مثل أردوغان» بل هو «أخوه». الصحف الليبرالية، مثل «جمهورييت» التي أصبحت مقرّبة من الليبراليين اليوم، ترى أن المعارضة تحتاج «مرشحاً مشتركاً» مثل عبدالله غول.
بالفعل، فإن غول هو أحد مؤسسي «حزب العدالة والتنمية» المنبثق من «حزب الفضيلة» الذي تفرّع عنه أيضاً «حزب السعادة». غول كان وزيراً ورئيس وزراء في عدد من حكومات «العدالة والتنمية»، لينتخب رئيساً بين عامي 2007 و2014، ويخرج بعدها من الحزب بسبب خلافات مع أردوغان. منذ سنوات عدّة، يجري الحديث عن إمكان تشكيل غول لحزبٍ خاص به، وفق ما زعمت مصادر مقرّبة منه على مرّ السنوات، لكن غول نفسه لم يتحدّث عن الموضوع قط.
لكن يبدو أن غول قليل الكلام، يملك قاعدةً حزبية قويّة، وفق رئيس شركة «أوبتيمار» التركية للإحصاءات، حلمي داشديمير. الأخير قال إن مصدراً في «العدالة والتنمية» أبلغه بأنّ 50 نائباً من الحزب هم على استعداد للانضمام إلى تيّار عبدالله غول داخل «حزب السعادة».

«الشعب الجمهوري»: تكهنات فقط
لا تزال التكهنات تحيط باسم مرشّح «حزب الشعب الجمهوري» العلماني للانتخابات الرئاسية، فهو لم يعلن حتى الآن اسم مرشحه، رافضاً في الوقت عينه تبنّي مرشحين معارضين آخرين للرئاسة.
وفيما لم يحدّد «حزب الشعب الجمهوري» بعد اسم مرشّحه، بانتظار إعلانه غداً، إلّا أن رئيس الكتلة البرلمانية للحزب، أوزغور أوزيل، أكّد اليوم أن اسم عبدالله غول لم يرِد أبداً في نقاشات حزبه كمرشّح محتمل للرئاسة. وتابع على «تويتر» أن «هذا يكفي. لقد سئمنا من كلّ تلك التكهنات»، مضيفاً أن «الهدف الوحيد (من تلك التكهنات) هو خلق نقاشات والإساءة إلى الشعب الجمهوري. الشعب الجمهوري لم يضع أبداً اسم عبدالله غول على الطاولة، ولا يطرحه الآن ولن يطرحه في المستقبل».
كان أوزيل قد قال قبل يومين إن «حزب الشعب الجمهوري» سيطرح مرشحه الخاص للانتخابات الرئاسية، نافياً ما جرى تداوله عن أن ميرال أكشنار ستكون مرشحة مشتركة لـ «الحزب الجيد» ولـ «حزب الشعب الجمهوري».
من المحتمل أن يكون رئيس «حزب الشعب الجمهوري»، كمال كيليتشدارأوغلو، المرشّح الرئاسي الخاص بالحزب، على رغم أنه يعدّ مرشحاً ضعيفاً، لم يتمكن طوال سنوات قيادته للحزب من دفعه إلى تخطّي عتبة الـ25 في المئة في الانتخابات النيابية السابقة. مع ذلك، يبدو كيليتشدارأوغلو إيجابياً، مع إعلانه قبل أيام أن حزبه سيحصل على 60 في المئة بسهولة، لأن الناخبين سيقفون إلى جانب «الديموقراطية» وليس «الديكتاتورية». كذلك، يبرز اسم نائب رئيس «حزب الشعب الجمهوري»، أوزتورك يلماز، كمرشّح محتمل أيضاً، مع إعلانه، بداية الأسبوع الحالي أنه سيطرح نفسه للرئاسة ما لم يترشح كيليتشدارأوغلو.
في الأثناء، أعلنت بعض الصحف الكردية أن الرئيس السابق لـ«حزب الشعوب الديموقراطي»، صلاح الدين دميرتاش، هو مرشّح الحزب للرئاسة، لكن لم يصدر بعد أي تصريح رسمي يؤكد ذلك. دميرتاش كان مرشح «الشعوب الديموقراطي» لانتخابات عام 2014 الرئاسية وجاء حينها في المرتبة الثالثة بنسبة 9.77 في المئة من الأصوات، لكنه الآن يقبع في السجن، حيث اعتقل في تشرين الثاني 2016، وهو قد يواجه حكماً بـ142 عاماً في اتهامات تتعلّق بدعم «حزب العمال الكردستاني».
جاء اعتقال دميرتاش حينها في سياق حملة قمع واسعة في تركيا، منذ إعلان حالة الطوارئ بعد محاولة الانقلاب الفاشلة في تموز 2016، تمّ تمديدها قبل أسبوع. طاولت حملة القمع عدداً كبيراً من الأشخاص، منهم صحافيون، كما ذهب الناخبون في تركيا تحت حالة الطوارئ إلى صناديق الاقتراع في نيسان الماضي للتصويت على التعديلات الدستورية المتعلقة بالتحول إلى نظام رئاسي. التحول إلى هذا النظام يشكّل واحداً من الدوافع التي من أجلها يذهب أردوغان إلى هذه الانتخابات المبكرة.