بعد 12 عاماً على تأسيسها، لا تزال اتفاقيّة التجارة الحرّة بين البلدان العربيّة (GAFTA) رهينة الهيكليّات التقليديّة للاقتصادات العربيّة وعجزها عن إنتاج آليّات قادرة على تمتين التعاون الاقتصادي بين بلدان جميع اقتصاداتها ريعيّة، خدماتيّة كانت أو نفطيّة. وعلى الرغم من ذلك، تحاول القمّة الاقتصاديّة، الأولى من نوعها، بلورة أفق لتحفيز «الاقتصاد العربي»
حسن شقراني
أفادت صحيفة «Kuwait Times»، أمس، بأنّ الكويت تقترح إنشاء صندوق يحوي 7 مليارات دولار بهدف تقديم الدعم إلى الشركات العربيّة في خضمّ الأزمة الاقتصاديّة... الخبر جيّد لأنّه يكشف نيّة أمير الكويت صباح الأحمد الصباح استخدام منبر القمّة الاقتصاديّة العربيّة الأولى، التي تستضيفها بلاده، لطرح مبادرة تهدف إلى دعم الشركات من خلال البترودولار تحديداً، لمساعدتها على التكيّف مع تداعيات موجة الركود العالمي.
إلا أن هذه المبادرة قد لا تصل إلى التنفيذ في الواقع، في ظل فشل كل تجارب التنسيق والتكامل السابقة (وتحديداً على صعيد جامعة الدول العربيّة)، بما في ذلك التجارب الجنينية عبر اتفاقيّة التجارة الحرّة بين الدول العربية في عام 1997. فالتجارة البينيّة بين البلدان العربيّة لا تزال تقل عن 10 % من مجمل التجارة الخارجيّة العربيّة.
المساعي المتكررة لإنشاء آليات الوحدة والتعاون على الصعيد العربي لم تكن ناجحة، والواقع يزداد سوءاً نظراً إلى الصعوبات التي تمرّ بها بلدان العالم العربي بسبب الأزمة الاقتصاديّة، وحديث أمير الكويت عن نيّات لإنشاء صندوق لمساعدة الشركات العربيّة لا يتجاوز صفة «الطارئ». والسبب بسيط، وهو أنّه خلال 30 عاماً، لم يقم الصندوق العربي للتنمية الاقتصاديّة والاجتماعيّة باستثمار سوى 6 مليارات دولار في سبيل دعم برامج التنمية الاقتصاديّة العربيّة، فيما يمكن الملاحظة أنّ الاستثمارات العربيّة في مؤسّسات أجنبيّة تساوي أضعاف هذا المبلغ.
ولكن إذا تمّ التسليم بأنّ العولمة تفرض حريّة تنقّل الرساميل بحثاً عن المردود الأفضل والأسواق الأكثر ملاءمة، وبالتالي تشجّع حركة الرساميل العربيّة نحو الخارج، فإنّ القمّة الاقتصاديّة العربيّة التي تعقد في الكويت في 19 و20 من الشهر الجاري، يفترض أن تفتح جولة جديدة من جولات المصارحة لمعالجة العوائق التي تعترض تحويل مسار هذه الرساميل نحو الداخل، ومفتاح هذا التحوّل يكمن في إيجاد البيئة المناسبة والتعاون العربي من أجل احتواء تأثير الأزمة الماليّة، إضافة إلى ضرورة اتخاذ تدابير «جذريّة» من أجل تعديل هيكليات الاقتصادات العربية عبر دور محوري للدول وإنعاش المبادرات تجاه القطاع الخاص من أجل الاستثمار في الاقتصاد الحقيقي، ولا سيما أنه المسؤول حالياً عن أكثر من 50 في المئة من النشاط الاقتصادي. وتأتي فكرة تقديم «بطاقة المستثمر» في إطار هذا الجهد المطلوب، إذ إنها توفّر لرجال الأعمال والمستثمرين العرب حريّة التنقّل بين البلدان العربيّة من دون عوائق بيروقراطيّة كالتي حالت ولا تزال دون تطبيق فعّال لاتفاقيّة «GAFTA».
قد تكون التوقّعات من هذه القمة متواضعة جداً، إلّا أنّها تعبّر عن الواقع القائم، لأنّ المسألة المتعلّقة بالاستثمارات تعدّ حيويّة في سبيل تحويل العلاقات الاقتصاديّة العربيّة إلى علاقات كيميائيّة بامتياز. فخلال السنوات الأخيرة، راكمت البلدان النفطيّة بين البلدان العربيّة (وتحديداً بلدان مجلس التعاون الخليجي الست) احتياطات نقديّة هائلة كان يمكن أن تستخدم لتحفيز المؤشّرات البينيّة العربيّة على صعيد الخدمات والصناعة والزراعة والسياحة...
ولكن الآن، بعد عام من الاستعدادات المكثّفة للقمّة العربيّة، تعترض إمكان إنتاج موجبات أوّليّة للعمل العربي الاقتصادي المشترك عوائق كثيرة، تبدأ بالسياسة (الخلافات الحادّة بشـن المسألة الفلسطينيّة) لتنتهي بالمؤشّرات الماليّة. فالبلدان المموّلة الأساسيّة لأيّ عمليّة «تحفيز اقتصادي عربي» أضحت تعاني نفسها من عجز مالي واقتصادي، حيث تؤدّي الأزمة الماليّة إلى فقدانها إيجابيّات موازناتها وموجبات النموّ الصاروخي.
فوفقاً للتقارير الأخيرة، ستعاني السعوديّة (أكبر اقتصاد عربي وأكبر مصدّر للنفط في العالم) من عجز تبلغ قيمته 17 مليار دولار في 2009، وسيتقلّص اقتصادها بنسبة 0.9 في المئة. كما سيشهد الاقتصاد الإماراتي ركوداً حاداً، ومن المتوقّع أن تبلغ نسبة نموّه صفراً في المئة، في ظلّ معاناة مدينة المعجزة دبي (المعجزة العربيّة أيضاً) من أوّل عجز لها على الإطلاق يبلغ 1.1 مليار دولار.
ومن هذا المنظور يمكن مقاربة القمّة المرتقبة من منطلق أنّها حتميّة بالمعنى الشكلي، وليست فعّالة بالمعنى العملي، في ظلّ ازدياد الخلافات بين البلدان العربيّة لا تقلّصها مع مرور الزمن (يمكن الإشارة هنا فقط إلى صعوبة إقرار الوحدة النقديّة بين بلدان مجلس التعاون الخليجي!) وهذه حقيقة يجب أن تدفع نحو إعادة التفكير في كيفيّة النظر إلى العلاقات العربيّة والجانب الاقتصادي فيها، وخصوصاً أنّ البلدان العربية تغطّي 10 في المئة من مساحة العالم، وتحوي 112 مليون عامل، بينهم 27 مليوناً عاطلون من العمل.


توقّعات نفطيّة

«ركود الاقتصاد العالمي» سيؤدّي إلى تقلّص الطلب على النفط في عام 2009 بنسبة 0.2 في المئة، وفقاً لآخر توقّعات منظّمة الدول المصدّر للنفط. وتعني النسبة المتوقّعة أنّ الطلب سينخفض بواقع 0.18 مليون برميل يومياً، بعدما كانت التوقّعات السابقة تفيد بتقلّص الطلب بواقع 0.15 مليون برميل. وتقول «أوبك» إنّ الطلب تقلّص بواقع 0.1 مليون برميل يومياً في عام 2008، وهو أوّل تقلّص مسجّل منذ عام 1983. وبحسب التوقّعات الحاليّة، فإنّ النصف الأوّل من 2009 سيشهد انخفاض الطلب 2.5 مليون برميل يومياً مقارنة بعام 2008.