يوم الأربعاء الماضي، عزّز موقع «فايسبوك» حملة حذف الرسائل الزائفة، في إطار جهوده لمنع استخدام منصة التواصل الاجتماعي كمساحة لنشر معلومات مضلِّلة و«خطيرة»، تلك التي من المحتمل أن تثير أعمال عنف.يومذاك، أشارت المتحدثة باسم «فايسبوك»، تيسا لايونز، خلال مؤتمر صحافي عُقد في سيليكون فالي بشأن سياسة الشركة، إلى وجود «بعض أشكال المعلومات المضلِلة التي ساهمت في التسبب بأذى جسدي». ونتيجةً لذلك، أعلنت لايونز أن «فايسبوك» يقوم بإدخال تعديلات على السياسة ستمكن الشركة العملاقة من إزالة ذلك النوع من المحتوى، على أن ُتطبّق هذه السياسة «في الأشهر المقبلة».
للوهلة الأولى، بدت تصريحات المتحدثة باسم الشركة محاولة للتخفيف من زخم الاتهامات التي طاولتها مؤخراً حول إسهامها في نشر أخبار كاذبة. لكن لايونز، خلال المؤتمر الصحافي، أكدت أن اختبار الإجراءات الجديدة تمّ في سريلانكا، التي شهدت أخيراً أحداثاً طائفية على خلفية معلومات مضلِّلة نُشرت على الشبكة الاجتماعية، مبررةً بذلك إجراءات «فايسبوك» التي تقضي بحذف المنشورات المحرّضة فقط على العنف؛ إذ إن المعلومات المضلّلة التي أزيلت في سريلانكا بموجب السياسة الجديدة، تضمّنت «مزاعم بأن مسلمين يقومون بتسميم المأكولات المقدمة أو المبيعة لبوذيين»، بحسب «فايسبوك».

زوكربرغ: أنا يهودي، ولكن...
لكن الإجراء سرعان ما أشعل جدلاً جديداً بعدما تحدّث مارك زوكربرغ، مؤسس شركة «فايسبوك» ومديرها التنفيذي، بشكلٍ تفصيلي عن السياسة الجديدة قيد التطبيق، معرّجاً على قضية الـ«هولوكوست»، إحدى أكبر الإبادات الجماعية في التاريخ البشري، في إطار توضيح طبيعة المنشورات التي سيتم حذفها، وما إذا كانت تندرج ضمن خانة الدعوة إلى «العنف والكراهية» ضد مجموعات دينية أو عرقية.
في حديث إلى موقع «Recode» (ريكود) المعني بأخبار التكنولوجيا، نُشر يوم الأربعاء الماضي أيضاً، أعلن زوكربرغ أن شبكة التواصل لن تحذف المواد المشكّكة في الـ«هولوكوست»، مشيراً إلى أنه اتخذ القرار رغم اقتناعه بأن إنكار محرقة اليهود في ألمانيا يمثل «إهانة». وفيما أكد زوكربرغ أنه لا يبرر إنكار محرقة اليهود، قال: «أنا يهودي. هناك مجموعة من الناس تنكر أن الهولوكوست قد حدث، وأظن أن ذلك مهين للغاية. ولكن في المحصلة، لا أعتقد أنه يجب على منصّتنا حذف هذه المواد فقط لأنني أعتقد أن هناك أشياء يفهمها الناس بشكلٍ خاطئ... لا أظن أنهم يتعمدون فهم ذلك بشكلٍ خاطئ»، مؤكداً بذلك أن سياسة «فايسبوك» في التعامل مع منشورات تتناول قضايا معينة، مثل الهولوكوست، لا تقضي بمنع الناس من تصديق أو تكذيب ما يرونه حقيقة أو زيفاً. فتركيز زوكربرغ مكرس لإيقاف حملات التضليل وغيرها من «الأنشطة الخبيثة». لكنه عاد وأكد في هذا الإطار أنه إذا «تجاوز المنشور الخط المحدد»، أي برر العنف أو الكراهية ضد مجموعة معينة من الناس، فعندها سيتم حذفه حتماً من «فايسبوك».


جدل حول المحرقة
في المقابل، أثارت تلك التصريحات ردود فعل واسعة، حيث بدأت تظهر حملات ضد مؤسس «فايسبوك»، على اعتبار أن الشركة لديها «إلتزام أخلاقي» بعدم السماح لمنكري الهولوكوست بنشر أفكارهم على المنصة. أبرز تلك الانتقادات جاءت على لسان وزير الخارجية الألمانية، هايكو ماس، الذي قال في تغريدة على «تويتر»: «لا يجوز لأحد أن يدافع عن منكري الهولوكوست». وطالب ماس بـ«ألا تتاح مساحة في أي مكان للعداء للسامية»، مشدداً على ضرورة بذل كل الجهود الممكنة عالمياً لحماية الحياة اليهودية.
وفي سياق الانتقادات نفسها، نشرت رابطة «مكافحة التشهير» (Anti-Defamation League) بياناً اعتبرت فيه أن «إنكار الهولوكوست هو تكتيك متعمّد وطويل الأمد من قبل الجهات المعادية للسامية»، في ما يبدو أنه اتهام صريح لزوكربرغ بتعبيد الطريق أمام معاداة السامية، وإن كان بشكلٍ افتراضي.

غموض حول المفهوم
عملياً، يبدو أن تصريح زوكربرغ حول قضية المحرقة أُخضع لتأويل ووُضع في خارج سياقه الواضح. فقد فتح الإعلان عن سياسة «فايسبوك» الجديدة نقاشاً عاماً حول طبيعة الموقع كمنصة اجتماعية يُراد لها أن تستمد شرعيتها من المستخدمين، على غرار عمل أي مؤسسة حكومية. النقاش الأساسي هنا يتعلق في التباين بين رؤية زوكربرغ إزاء عمل شركته، والتي تقتضي أن يكون «فايسبوك» مساحة لـ«الانفتاح والتواصل حول مختلف القضايا الإنسانية»، كما يردّد مؤسسه، دون وجود قيود أو رقابة ذات طابع حكومي، وبين ما يريده حقاً المليارَي مستخدم من تلك المنصة. المشكلة التي يواجهها زوكربرغ، إذاً، تتعلق بدخول «فايسبوك» في حالة من الغموض المفاهيمي، بحيث أصبح لا أحد، ولا حتى مؤسسها، يعرف تماماً ما هي طبيعة المنصة الاجتماعية وكيف ينبغي التحكم بها.