المحتوى حسّاس قد يجرح مشاعرك ونحن نهتم بصحتك النفسية. تنفّس هواءً نظيفاً كلّ صباح. اشرب ثمانية أكواب من المياه. تأمّل. لا تُتعب عيناك بصور الجثث... هممم أقصد مشاهد الأشلاء، آسفة... آسفة: مشاهد لحم الأطفال المتفحمين. الأطفال الذين طُمست هويتهم وأسماؤهم إلى الأبد. هذه الرؤية ستفسد يومك وستُشعرك بالاكتئاب. خذ بالتحذير ولا تغامر. إنسَ وجودهم ولا تكلّف نفسك بالتعاطف معهم. لقد ماتوا وما الفائدة من البكاء على اللبن المسكوب.ولكن هناك خبرٌ آخر يقول: «أربعون طفلاً إسرائيلياً قد قُطعت رؤوسهم من قبل المقاومة الفلسطينية». لا تشغل بالك كثيراً، فالخبر مزيّف وهذا لم يحدث، ولو أقرّ الرئيس الأميركي به وجزم حدوثه. أعتذر مرة أخرى لأني أنهكتك بقضايانا، ولأنّ مشاعرك قد اهتزت هذه المرة.
انتفض وسارع في دعم «الإنسانية». اغضب من أجل الحضارة، ونادِ بسحق طفل فلسطيني كل خمس دقائق. هكذا، تتسارع وتيرة أعدادهم لتبلغ محصّلة الإبادة رقماً يفوق الخيال. ما رأيك بـ3500 طفل في أقل من ثلاثين يوماً؟ ليس رقماً مرضياً فعلاً، ها؟ هذا الرقم لا يرضي حجم امتعاض المواطن الأبيض الذي يتمتع بكل حقوقه ورفاهياته ويتأفف على الكنبة.


اليوم، إني أعتذر منك كثيراً. يؤلمني قلبي عليك وأنا أراك ترفض القتل. لقد رأيتك تبكي على سلحفاة مخنوقة بالبلاستيك، هذا ما توقّعته: طباعك لينة رقيقة. طفل ولد بصليبٍ يحمله على ظهره. صليب لا يمثل ذنوبه، إنما معاناته التي وُلدت معه. لم تكن مسألة الاختيار أصلاً بيده. لكن ما أقبحها المعاناة القادمة من الجندي الإسرائيلي المتوحش. مسخ يتسلى بترهيب الأولاد، ذلك لأنه مرعوب من الطفل، من الغضب الذي يعتمل داخل الطفل، ومن إدراكه أن الطفل يدرك أحقيّة أرضه، فهو مرعوب مما سيكون عليه هذا الطفل في المستقبل .
قرأت أنّ منظمة الصحة العالمية تدين العنف الجنسي. ترفض المنظمة إقران عملية الإشباع في العنف الجنسي. تقول إنّ الإشباع ليس الهدف الأساسي وراء العنف المرتكب، بل هو القمع الذي يتعمّده الشخص عبر فرض القوة والسطوة على المعتدى عليه أي المُعنَّف. استخلصت المنظمة نتائجها إثر دراساتٍ أجرتها بعد ارتفاع حالات العنف الجنسي في كل من إنكلترا وفرنسا وألمانيا .لم تذكر فلسطين؟ يبدو أنه يحق لإسرائيلي المحتل للأرض، أن يحتل الأجساد أيضاً. ويحق له ترهيبها وإماتتها، سواء كان جسد طفل ذاهب إلى المدرسة، أو يعبر الطريق، في غزة أو الضفة أو القدس. يتّضح أنّ الإذلال المتعمّد يحدث تحت رعاية الدول الحافظة لشرعة حقوق الإنسان، والمسؤولة عن السلام، وأمهم هي أميركا طبعاً.
عزيزي الرجل الأبيض،
إن أردت معرفة الحقيقة فعلاً فلا تستمع إلى رئيس الجمهورية ولا تقرأ الجرائد. ركّز على تعابير وجه الأطفال؛ فلا هي بعنف بايدن ولا هي باستعراض كما تجري العادة على مواقع التواصل الاجتماعي. اصغِ إلى كلماتهم واحفظ ملامح وجوههم، فهناك تكمن الحقيقة الكاملة القادرة على وصف وحشية الإبادة والذعر: «عبود. أمي بعرفها من شعرها. بدي خصلة شعر من أخوي. شكراً يا إسعاف شكراً يا إسعاف. أنا بحب القراءة بدي بس اقعد أدرس. يد طفل وقطعة الخبز الصغيرة».
تلك الحقيقة التي لا تعترف بها، وتتهرّب بها بأسلوبك المتحذلق، أو تستعين بمظهرها في احتفالك في هالوين مثلاً مثلما فعلت نجمة تلفزيون الواقع كيم كارداشيان عندما احتفلت مع ابنها بمناسبة هالوين الأسبوع الفائت. لقد نشرت كيم كارداشيان مجموعة صور لابنها عبر حسابها على موقع إنستغرام، حيث ظهر متنكراً بثياب الفقراء الخارجين من تحت الركام، بإطلالة تشبه إلى حدٍّ بعيد، ضحايا أطفال قطاع غزة. ارتدى ابن كيم كارداشيان قميصاً مهترئاً للاعب كرة القدم البرازيلي نيمار. قميصه بدا ممزقاً، بنّي اللون، هكذا بدا فقيراً مثل أطفال غزة، وطبعاً تم تلوين جسم الطفل بالأحمر لإضفاء ما يشبه الجروح على جسده.
ظهر ابن كيم كارداشيان في هالوين وكأنه يتماهى مع الأطفال الفلسطينيين الذين يتعرضون للقصف الإسرائيلي منذ 7 أكتوبر. يا له من تنكر!
عزيزي الرجل الأبيض،
فلسطين تعتبر محتوى حسّاساً قد يجرح مشاعرك. إنّ تحوير الحقائق سهل، ويريح الضمير، لكن تذكر: إنّ قباحة هذه الفعلة لا تقلّ عن ولادة رضيع خرج إلى الحياة من رحم أمه القتيلة، وهذا ما يحدث كل يوم.