أعادت صحيفة «آيدينلق» التركية، بداية الشهر الجاري، إحياء النقاش حول المصالحة بين تركيا وسوريا، حين أفادت بأن لقاءً عُقد بين الجانبَين في قاعدة حميميم الروسية في سوريا، على أن يعقبه آخر في بغداد، كون رئيس الوزراء العراقي، محمد شياع السوداني، هو الذي بادر إلى التوسط بينهما. وإذ نفت صحيفة «الوطن» السورية حدوث اللقاء - وإنْ لفتت إلى أن تنشيط عملية التقارب بين البلدين مستمر، وأن بغداد تلعب دوراً واضحاً في هذا الإطار -، إلا أن الرئيس السوري، بشار الأسد، أَطلق، خلال لقائه المبعوث الرئاسي الروسي، ألكسندر لافرنتييف، الأسبوع الماضي، مواقف «إيجابية ومنفتحة» تجاه أنقرة، حين قال إنه «منفتح على جميع المبادرات المرتبطة بالعلاقة مع تركيا»، على أن تكون مستندة إلى «سيادة الدولة السورية على كامل أراضيها من جهة، ومحاربة كل أشكال الإرهاب وتنظيماته من جهة أخرى». أيضاً، شكّلت تصريحات الرئيس التركي، رجب طيب إردوغان، في هذا الجانب مفاجأة، إذ أعلن، بعد صلاة الجمعة الماضي، أنه «ليس هناك أيّ سبب يحول دون إعادة العلاقات الديبلوماسية من جديد مع سوريا (...) لا توجد نيّة عندنا للتدخّل في الشؤون الداخلية لسوريا. تعرفون أنه كما فعلنا في الماضي مع السيد الأسد وصولاً إلى لقاءات على المستوى العائلي، فليس من سبب يحول دون أن نفعل ذلك من جديد». وفي تعليقه على تلك التطورات، يعود محمد يوفا، في صحيفة «آيدينلق»، إلى «صورة سوريا العدوة لتركيا»، والتي كانت شائعة إبّان الخمسينيات، باعتبارها «وكراً للدعاية الشيوعية»، رغم أنه «لم يكن هناك في دمشق حاكم علوي، بل كان بعض رؤساء سوريا من أصل تركي، مثل شكري القوتلي. وكانت تركيا، خصوصاً في عهد عدنان مندريس، منطَلَقاً للعدوان على سوريا ومصر عام 1956 وعام 1958. وفي المقابل كانت دمشق ترى في أنقرة، تلك المحتلّة للواء الإسكندرون والمستخدِمة لمياه دجلة والفرات سلاحاً ضدّ سوريا والعراق، والتي تدار من قِبَل الصهيونية وحلف شمال الأطلسي». ويضيف أن «الافتراض القائل إن تركيا وسوريا عدوّان لا يمكن أن يلتقيا، تم تدميره باتفاقية أضنة عام 1998. وتحوّلنا لاحقاً إلى حكومة واحدة وأمّة واحدة وسوق واحدة». ووفقاً ليوفا، فإن «تركيا كانت ترى في نفسها قوّة مميزة داخل الناتو، وأن الغرب لن يقف ضدّها في ما تعمل. لكن التطوّرات أَظهرت عكس ذلك. ففي الآونة الأخيرة، عملت أنقرة على اتباع سياسات متوازنة، من مثل المصالحة مع مصر والعراق والتقارب مع بريكس وتنشيط العلاقات مع إيران وروسيا والصين وإحياء العلاقات مع سوريا. لكن سياسة التوازن هذه ليست مقبولة في الولايات المتحدة والأطلسي، اللذين يريدان تركيا إمّا معهما أو ضدّهما».
افتتاح معبر أبو زندين بين دمشق والمعارضة السورية خطوة صغيرة، لكنها مهمّة على طريق التطبيع بين سوريا وتركيا


ويرى سركان فيتشيجي، من جهته، في صحيفة «أقشام» الموالية، أن المسألة الكبرى لتركيا هي سوريا، ففي السياسة الخارجية «تسنح فرص إذا استغلّيتها تَربح، وإلا تمرّ من دون نتيجة»، وإذ يلفت إلى أن «باب الحوار على أعلى مستوى بين تركيا وسوريا قد انشقّ قليلاً، والإشارات قوية جدّاً. وإذا استمرّت الإشارات الإيجابية في الوصول من سوريا، فإن مدة جديدة قد تبدأ»، فهو يختصر العلاقات بين البلدين بمشكلتَين، هما «إرهاب حزب العمال الكردستاني، واللاجئون»، مشيراً في الوقت ذاته إلى أن «سوريا جاهزة وروسيا راغبة والولايات المتحدة مشغولة. فهل من ظروف أنسب من ذلك للمصالحة؟». وفي صحيفة «صباح» الموالية أيضاً، يكتب مليح ألتين أوك أن الرسائل الإيجابية المتبادَلة بين الأسد وإردوغان «ترفع وتيرة النقاش بين اللاعبين في شرق سوريا. واحتمال انسحاب الأميركيين من شرق الفرات كما حصل في أفغانستان وارد، ويرسم مستقبل قوات سوريا الديموقراطية المدعومة من الأميركيين، إذ إن أيّ اتفاق بين إردوغان والأسد ستكون ضحيّته قسد». ويرى ألتين أوك أن افتتاح معبر أبو زندين بين دمشق والمعارضة السورية خطوة صغيرة، لكنها مهمّة على طريق التطبيع بين أنقرة ودمشق، مشيراً إلى أن «إشارات التقارب الجديدة تقلق بال المتضررين منها، وعلى رأسهم "حزب المساواة والديموقراطية للشعوب" في تركيا، والذي يذكّر بمواقف إردوغان العنيفة ضدّ الأسد. هؤلاء يعرفون أن مثل هذا الحوار يشكّل ضربة لمشروع دولة حزب العمال الكردستاني في سوريا، والذي يريد شرعنة وجوده هناك عبر إجراء انتخابات بلدية في شرق الفرات. هؤلاء سيبقون واقفين في المنتصف إلى أن يتغيّر الواقع القائم بعد الانتخابات الرئاسية الأميركية».
ومن جهته، يقول المختصّ في العلاقات الدولية، حسن أونال، في تصريح إلى صحيفة «آيدينلق»، إن «الذي يحصل يحمل معنى ترك السياسات الخطأ السابقة المكلفة»، مذكّراً بأن «كلام الأسد خلا من العبارات الحادّة، كما أن قول إردوغان عن الأسد: "السيد"، في محلّه، وإشارته إلى أنه لا يتدخّل في الشأن السوري الداخلي تعطي الانطباع بأنه تخلّى عن فانتازيا المطالبة بدستور جديد في سوريا. وهذا يتطلّب عدم السماح للأميركيين بمحاولة عرقلة العملية». وتتطلّب عملية التقارب بين البلدين، وفقاً لأونال، «تطوير سياسات إعادة اللاجئين، وضرب الإرهاب، كما الانسحاب من سوريا تدريجيّاً، وإنهاء الوجود التركي هناك من مستشفيات وكليات جامعية ومراكز بريد وغيرها». ومحاربة الإرهاب، يضيف الخبير، «لا تقتصر على الكردستاني، بل تشمل كل التنظيمات الإرهابية المعادية لسوريا، والتي تصنّفها تركيا أساساً منظمات إرهابية. ومثل هذا التعاون يحشر الوجود الأميركي في الزاوية، ومن شأنه أن يضطرّ الولايات المتحدة إلى التخلّي عن الأكراد، كما تخلّت (سابقاً) عن حلفائها في أفغانستان».
أمّا خبير السياسات الأمنية، جوشكون باشبوغ، فيقول إن «احتمال اندلاع حرب عالمية بدءاً من لبنان، استدعى ضغطاً روسيّاً من أجل مواجهة (الحرب) بمصالحة بين تركيا وسوريا. فالموضوع المطروح هو تقسيم سوريا، لأن وصول حاملة الطائرات آيزنهاور إلى السواحل اللبنانية لن يكون محصوراً بهذا البلد، بل سيطال أيضاً في مرحلة ثانية سوريا»، مضيفاً أن «موسكو ضغطت على الأسد ليطلق مواقف مرنة وإيجابية تجاه تركيا. والأخيرة تريد أن تأكل العنب، ولذا قابل إردوغان تصريحات نظيره بإيجابية، ووصف العلاقات معه بالعائلية». وعما هو منتظر من هذا التقارب، يتابع: «أولاً، اجتماعات على مستوى الوزراء، ثم على مستوى الرؤساء، ومن بعدها يُتوقّع تنظيم عمليات عسكرية مشتركة في مجال مكافحة الإرهاب». ويعتقد باشبوغ بأن هناك «احتمالاً قويّاً بأن يشارك العراق في هذه العمليات، بل ربّما أيضاً إيران. تلك الدول إذا تعاونت فعلاً، لن تستطيع الولايات المتحدة أن تصمد أمامها».