خَصّصت حكومة حزب «العدالة والتنمية» التركية مئات الباصات لنقل الراغبين في الوصول إلى دول الاتحاد الأوروبي، مجّاناً، إلى مدينة أدرنة قرب الحدود التركية ــــ اليونانية. هناك، سارع اليونانيون إلى إغلاق الحدود في وجه اللاجئين، ومواجهتهم بالقنابل المُسيلة للدموع، ليَعلق العشرات مِمّن تركتهم الباصات، وعادت إلى اسطنبول، وسط مصير مجهول. حَزَم عبد الرحمن، وهو شاب سوري يعيش في تركيا منذ أن دمّرت قوات «التحالف» بقيادة الولايات المتحدة مدينته الرقة عام 2017، وثلاثة من رفاقه أمتعتهم، وغادروا مكان سكنهم في إسطنبول إلى أدرنة، استغلالاً لفرصة لا تتكرّر إلّا كلّ بضعة أعوام، بحسب مزاج الرئيس التركي رجب طيب إردوغان. يقول عبد الرحمن، لـ«الأخبار»، إن «ظروف العمل في تركيا صعبة، أعمل حوالى تسع ساعات يومياً، بأجر زهيد، وليس بوسعي العودة إلى الرقة لأن بيتنا دُمّر بشكل كامل، لذا لا بدّ من محاولة الوصول إلى أوروبا، أُدرك جيداً أن الرحلة شاقة، لكنني سأحاول كي لا أشعر بالندم يوماً ما إذا رأيت آخرين تَمكّنوا من الوصول».
سيناريو 2015 يتجدّد
في صيف عام 2015، فُتحت الحدود التركية ــــ اليونانية أمام الراغبين في الوصول إلى أوروبا، وكان التعاون آنذاك على أشدّه بين المهرّبين الأتراك وقوات «الجندرما» التركية التي غضّت الطرف عن تدفّق أكثر من مليون مهاجر غير شرعي من سوريا ومختلف دول العالم الثالث إلى الجزر اليونانية، التي كانت تستقبل المهاجرين وتُسهّل مرورهم إلى دول أوروبا الغربية، قبل أن تعمد إلى احتجاز عشرات الآلاف منهم على جزرها التي عانت كثيراً خلال السنوات الثلاث الأخيرة من ازدياد أعدادهم. على إثر ذلك، أُبرم اتفاق الهجرة بين أنقرة وبروكسل في آذار/ مارس 2016، ليُحقق لتركيا بعضاً مما أرادته. وفي هذا الإطار، يقول أحمد إبراهيم، وهو سوري مقيم في تركيا منذ عام 2017، إن «تركيا أخذت الكثير من الأموال، لكن لم يستفد جميع اللاجئين منها»، موضحاً أن «العائلات التي يزيد عدد أفرادها على أربعة تحصل على مساعدة مالية شهرية بالكاد تكفي إيجار منزل»، مضيفاً «(إننا) نحن العازبين لا نحصل على مساعدات، ونعاني كثيراً لنجد عملاً، ونادراً ما نحصل على عمل في ظروف إنسانية، الأتراك ليسوا ملائكة، بعضهم يساعدون اللاجئين، وكثر يستغلّونهم، خسرنا كلّ شيء في سوريا، ولم يبقَ لنا سوى الهجرة، وهذه فرصتنا».
كان المهرّبون الأتراك يتكفّلون بتأمين القوارب المطاطية وتجهيزها كيفما اتفق، ويضعون المهاجرين فيها بالعشرات ويدفعونهم إلى مصيرهم. ما قام به هؤلاء بالأمس تَكفّلت به «الجندرما» التركية اليوم، حيث تقوم بتجهيز القوارب ودفعها في البحر والنهر قرب الحدود البرّية بين البلدين، وإرشاد المهاجرين إلى الطرق غير الشرعية التي يمكن أن يسلكوها لتجنّب حرس الحدود اليوناني والوصول إلى الأراضي اليونانية. هذه «التسهيلات دفعت آلاف الشباب لخوض المغامرة» وفق ما يقول أحمد، مستدركاً بأن «الشرطة اليونانية منعت دخولنا، لذا حاولنا حشد أكبر عدد ممكن والتجمّع في نقطة واحدة نتقدّم عبرها، عسى أن تمنعهم كثرتنا من التصدّي لنا، لكنهم يستخدمون القنابل المسيلة للدموع، والمشكلة أن بيننا مئات النساء والأطفال، وهذا يحدّ من حركتنا، الظروف هنا مأسوية، لقد تورّطنا لكننا سنحاول الضغط لفتح الحدود».
هكذا، يمارس إردوغان مجدّداً هوايته المفضّلة في الابتزاز، هذه المرّة في وجه الزعماء الأوروبيين في محاولة لإيصال أكبر عدد من اللاجئين إلى أراضيهم. يحدث ذلك فيما لا يتوانى جنوده عن قتل أيّ سوري يحاول اليوم عبور الحدود مع تركيا. ووفقاً للمعلومات، فقد قُتل مئات السوريين وهم يحاولون الوصول إلى هناك، إلا أن هؤلاء لم يتمّ تسليط الأضواء عليهم إعلامياً.