بدا واضحاً منذ اللحظة الأولى التي داست فيها قدما المدرب البرتغالي جوزيه مورينيو أرض مطار «هيثرو» في لندن بعد عودته إلى إنكلترا للإشراف من جديد على تشلسي، أن الانكليز، وبالدرجة الاولى، صحفهم (وما ادراك ما صحافة الانكليز)، سيكونون كظله، سيحصون عدد أنفاسه، وعند أي زلة له سيستلّون سيوفهم لمحاربته. على هذه الحال كانت العلاقة بين الانكليز ومورينيو في الفترة الأولى لـ«السبيشيل وان» مع «البلوز».
منذ اللحظات الأولى في تلك الفترة وفي مؤتمره الصحافي الاول في انكلترا، استفز «مو» الانكليز وصحفهم وبدا لأقلام كتّاب هذه الأخيرة بمثابة «الصيد الثمين» و«المادة الاعلامية الدسمة»، حين قال جملته الشهيرة: «أنا بطل أوروبا (مع بورتو البرتغالي)، لذا أنا الاستثنائي».
ومن بعدها، استهل البرتغالي «حربه الاعلامية» الشرسة على مدرب أرسنال، الفرنسي أرسين فينغر، لتتأكد الصحافة الانكليزية، وقتها، أنها أمام «حالة» بالفعل استثنائية لمدرب يتقن اللغة الاستفزازية ويعرف كيف يدير مباريات فريقه في المؤتمرات الصحافية قبل أرض الملعب. بدا الانكليز، كل الانكليز بصحفهم وجماهير فرقهم ومدربيها ولاعبيها، أمام مدرب بارع في «الحرب النفسية» على الخصوم، لكنها حرب لم يكن يوفر فيها مورينيو أي أسلوب او لغة لينقضّ بها على منافسيه.
إذاً، عاد مورينيو الى لندن في مطلع الصيف الماضي، وبمجرد عودته كانت الكاميرات تطارده. منذ اللحظة الأولى في مطار «هيثرو» رصدت العدسات «مو» وهو يأكل فطيرة حلوى بنهم، لتحتل هذه الصورة عناوين الصحافة الانكليزية. لقطة تبدو عادية لكثيرين، لكنها كانت ذات دلالة لمورينيو لما ينتظره في أرض الانكليز، اذ حتى قبل أن يتكلم البرتغالي كان هو العنوان، فكيف اذا تكلم؟
في حقيقة الأمر، فإن لسان مورينيو لم يهدأ من الكلام هذا الموسم. قال «مو» الكثير من الكلمات، لكنها كلمات لم تتعد «الخطوط الحمر». بدا البرتغالي فيها كأنه بدّل من سياسته الاعلامية، او بالأحرى كأنه قرر الدخول في «هدنة» مع الإعلام بعد تجربته الاسبانية التي بدأها بحرب ضروس مع الصحافة الكاتالونية الموالية لبرشلونة وأنهاها بأخرى لا تقل شراسة مع الصحافة المدريدية، تلك الاخيرة التي لم توفّر أي طريقة او أسلوب لتحطيم البرتغالي وكانت السبب الأول في إخراجه من قلعة «سانتياغو برنابيو».
بدا مورينيو في مغامرته الانكليزية الجديدة كمن لا يريد استفزاز الصحف والخصوم بتصاريحه. صحيح أنه أبقى وسائل الإعلام «سلاحاً» بيده لخوض حروبه النفسية على الخصوم، لكنه لم يظهر بشخصية «مفتعل المشاكل»، لا بل على العكس، فإذا ما استعرضنا تصاريح الرجل قبل المباريات المهمة على سبيل المثال سنجد أنه، على غير عادته، لم يستخدم لغة التهديد والوعيد والعبارات المثيرة للجدل، وحتى عند انزعاجه من أسئلة الصحافيين شاهدنا «مو» وهو يخرج مسرعاً من المؤتمرات الصحافية. تصاريح البرتغالي اذاً بدا الطابع الأكبر فيها للدهاء وللضغوط النفسية على الأعداء، وقد استهلها قبل بداية الموسم مع الفريق الذي كان يعتبره، كما كثيرون، المنافس الأبرز له على اللقب، مانشستر يونايتد، وذلك في إثارته موضوع اهتمام تشلسي بالتعاقد مع النجم الأول لـ«الشياطين الحمر»، واين روني. اما قبل المباريات مع فرق الطليعة في هذا الموسم، فكان مورينيو يفاجئ مدربي الخصوم بإعطاء الاولية لفرقهم للفوز على تشلسي، لتكون النتائج مغايرة لحظة انتهائها.
غير أن التصريح الأخير الذي أدلى به مورينيو بعد المباراة أمام وست هام عندما انتقد الاسلوب الدفاعي للأخير، معتبراً «أن وست هام يلعب كرة قدم تعود للقرن الـ 19»، قلب الأمور رأساً على عقب، وبدا انه «الزلة» التي انتظرها الانكليز لفتح حربهم الشرسة على مورينيو عندما اعتبروا أن كلمة البرتغالي كانت فيها اساءة لتاريخ انكلترا مهد كرة القدم. هكذا، أفردت «بي بي سي» تقريراً لأحد الاختصاصيين بتاريخ الكرة، لتحرج به مورينيو، شارحاً ان تلك الفترة كانت فيها «الكرة هجومية بامتياز». اما صحيفة «ذا دايلي مايل»، فذهبت أبعد من ذلك مطلقة لقب جديد على البرتغالي وهو «المنافق»، عارضة أبرز تصاريحه المثيرة للجدل!
يمكن القول، حتى اللحظة، ان الامور تشي بأن «الهدنة» بين الانكليز ومورينيو في لحظة مفصلية، فطبول الحرب الشرسة قرعتها صحف هؤلاء، وما انطلاقها «رسمياً»، مجدداً، الا رهن برد الـ«سبيشيل وان» القادم... فلنترقب!