فيما غطّ ملف حاكم مصرف لبنان السابق رياض سلامة في سبات في أدراج القضاء اللبناني، وجّه القضاء الفرنسي لائحة اتهام إلى المدير التنفيذي لـ«شركة سمعان غلام وشركاهم للمحاسبة والتدقيق» أنطوان غلام بالتواطؤ في تغطية جريمة غسل الأموال. وكان غلام أعدّ تقريراً برّأ سلامة من تهمة اختلاس الأموال العامة، واستند إليه وكيل سلامة في تشرين الثاني 2021 كدليل على أن ثروة الحاكم السابق مصدرها راتبه الخاص وليس أموال مصرف لبنان. واعتبر القضاء الفرنسي أن شركة غلام المصنّفة في المرتبة الخامسة عالمياً سهّلت التبرير الكاذب لاختلاس الأموال، ولا سيما أن سلامة استخدمه في المحكمة كـ «براءة ذمة مالية». وكان غلام الذي استُجوب أمام قاضية التحقيق في فرنسا في 14 أيار الماضي نفى أن يكون تقرير الشركة «المتفق عليه مسبقاً مع الحاكم يهدف إلى التدقيق في المحاسبة أو إلى تبرير مصادر الأموال»، مشيراً إلى أنه «يعرض مجموعة من الوقائع لا غير». وأقرّ بعدم قدرته على معرفة مصدر جزء من أموال سلامة، فيما نقل وكيلاه ليون ديل فورنو وجايد راديكس هيس عنه اعتراضه على إساءة استخدام الحاكم للتقرير وتوظيفه لغير الأغراض التي أُعدّ لأجلها، ما يعني «أنه لا يتحمل أي مسؤولية جنائية، وسيتقدّم بطعن لإسقاط الاتهامات».وكانت الشركة واحدة من أبرز الشركات التي يعتمدها البنك المركزي والمصارف التجارية للتدقيق الخارجي في حساباتها وميزانياتها، باعتبار أن لها تاريخاً عريقاً في هذا المجال. ويشمل التدقيق التحقق من أرباح المصارف وخسائرها وأصولها ومدى صحتها وتناسبها مع الأرقام المقدّمة من المصرف، والتأكد من التزامها بالقوانين والمعايير الدولية. لكن، في لبنان، عملت بعض شركات التدقيق على ما يبدو بالتواطؤ مع الحاكم والمصارف لإخفاء خسائرها وحتى التستر على عمليات تبييض الأموال، إذ أن أياً من شركات التدقيق لم تبلغ طوال سنوات عن أي أعمال غير شرعية أو أي مخالفات أدّت إلى تعريض الودائع للمخاطر عبر زيادة حجم التوظيفات في مصرف لبنان بالعملات الأجنبية. من هذا المنطلق، لجأ سلامة إلى الشركة المكلّفة بالتدقيق في حسابات المركزي منذ عام 2000 لتكليفها التدقيق في حساباته الشخصية بين عامي 2015 و2020 من باب دحض «الشائعات» حول اختلاسه أموالاً عامة. وقد أصدرت الشركة تقريرها في غضون شهر واحد مؤكدة «نزاهة» الحاكم.
ودفع ذلك بالقاضية الفرنسية أود بوروزي والمحققين الأوروبيين إلى استجواب أنطوان غلام في أيار 2023 (راجع «الأخبار» السبت 23 أيلول 2023). واعترف حينها بأن التدقيق الذي أجرته شركته تمّ وفق اتفاق مسبق مع سلامة، وكان هدفه الرئيسي التأكيد أن الأموال التي دخلت إلى حساب الحاكم في مصرف لبنان لم تكن أموالاً من المركزي. وهو وافق على هذا الاتفاق رغم معرفته المسبقة بأن الحاكم موضع تحقيقات في لبنان ودول أوروبية بتهمة الاختلاس وتبييض الأموال. واعترف غلام أيضاً بأن سلامة اشترط عليه حصر عمله بكشوفات وأرقام وحسابات يحددها بنفسه مقابل 200 ألف دولار على ما أدلى به في إفادته. لكنه رفض تزويد المحققين بمستندات الحسابات الخاصة بسلامة بحجة السرية المصرفية، وتمسك بجواب واحد على كل الأسئلة التي طُرحت عليه: «لا أعرف». وبدا واضحاً يومها أن الوفد القضائي الأوروبي لم يقتنع بكلام غلام ولا بمحاولاته الإيحاء وكأنه لا يفقه شيئاً في التدقيق ولا القانون ولا بديهيات المهنة. وكان أداء المدقّق مثيراً للسخرية حين تعمّد فقدان ذاكرته لدى سؤاله عن التحويلات المالية من مصرف لبنان إلى شركة «فوري» (يملكها شقيق سلامة، رجا) وعن الفروقات في الحسابات بين ما كان يدخل إلى حساب الشركة وما يخرج من «المركزي»، وعن السبب وراء عدم تدقيقه في الحسابات التي زوّده بها سلامة لناحية التدقيق في مصادر الأموال الداخلة إليها وإن كان مصدرها البنك المركزي. يومها لم يكن يدرك غلام أن امتناعه عن الإجابة والتذرع بالسرية المصرفية لحجب معلومات ومستندات، سيقودانه إلى المسار نفسه الذي سلكه سلامة قبله. فبعد نحو 3 سنوات على ملاحقة سلامة ثم وضعه أخيراً على لائحة الإنتربول، ها هو صاحب شركة التدقيق الأشهر في لبنان يوضع على لائحة الاتهام في فرنسا بصفته شريك سلامة وأحد المسهّلين له لعملية اختلاس وتبييض الأموال العامة.