تعكس الاجتماعات المتكرّرة بين قيادتَي تيار المستقبل والجماعة الإسلامية، في أكثر من منطقة، حجم التوافق الذي أرساه الطرفان بينهما حول الانتخابات البلدية التي رُسمت خطوطها العريضة بالتدريج.وقد كان واضحاً منذ بدء الاستعدادات للانتخابات البلدية حاجة كل منهما إلى الآخر، وخصوصاً أنهما يتمايزان عن بقية القوى السياسية السّنية بأنهما الوحيدان اللذان لهما امتداد على كامل الأراضي اللبنانية تقريباً، مع فارق واضح في الأحجام لمصلحة تيار المستقبل.
فالتيار الأزرق، بعد تراجع شعبيته إثر توقف خدماته وأزماته الداخلية والخارجية، بات يخشى من تعرّضه لانتكاسة انتخابية يدفع ثمنها غالياً في السياسة. أما "إخوان لبنان"، فيدركون دقّة وضعهم، إذ إن ظهور قوى إسلامية منافسة يحتم عليهم الاستعانة برافعة انتخابية لتعزيز حضورهم، لذلك يجدون في الحاجة المتبادلة بينهم وبين تيار المستقبل فرصة لتثبيت حضورهم كطرف فاعل ورئيسي على الساحة السّنية، والقول إن حاجة القوى الأخرى إليهم تجعلهم رقماً صعباً لا يمكن تجاوزه بسهولة.
هرموش: يصعب أن ينفرد أي فريق سني بتحمّل أعباء مسؤولية الطائفة وحده

التلاقي بين المستقبل والجماعة كانت ترجمته الرئيسية في انتخابات بلدية صيدا التي تعتبر بالنسبة الى آل الحريري استراتيجية جداً وخسارتها لا يعوضه النجاح في أي منطقة لبنانية أخرى. لكن، هل يعني ذلك أن توجّه تيار المستقبل للتعاون مع قوى سياسية أخرى سينسحب على الانتخابات النيابية والاستحقاقات الأخرى، أم سيقتصر على الاستحقاق البلدي؟
تضفي مصادر تيار المستقبل غموضاً في ردها على السؤال بالقول إن "للانتخابات البلدية خصوصية، ونحن أبدينا تعاوناً مع الجميع، إلا مع من رفض ذلك. أما الانتخابات النيابية فلها حسابات مغايرة، ومن المبكر جداً أن نتحدث عنها الآن".
"الغموض" الذي لا يزال التيار الأزرق يتمسك به، لا يغطي حجم التراجع الذي أصابه في الشارع. فقبل أشهر، زار الأمين العام لتيار المستقبل أحمد الحريري بلدة القلمون، جنوبي طرابلس، وجال في شارع المقاهي الشعبي فيها، لكنه فوجئ بأن كثيرين لم ينهضوا عن كراسيهم لمصافحته، علماً بأن أبناء البلدة حملوا سيارة الرئيس سعد الحريري يوم زارها قبل سنوات.
القلمون التي يرأس بلديتها طلال دنكر، المحسوب على الجماعة الإسلامية، ستبقى بموجب التعاون بين التيار والجماعة في عهدة دنكر. وكذلك الأمر في بلدة ببنين العكارية التي يرأس بلديتها كفاح الكسار المحسوب على إخوان لبنان أيضاً، في مقابل التحالف معها في مناطق أخرى على رأسها صيدا.
يتهرّب المستقبل من الإجابة عما إذا كان التحالف البلدي سينسحب على النيابة

ويوضح رئيس المكتب السياسي للجماعة أسعد هرموش لـ"الأخبار" مقاربته لانتخابات صيدا التي "فرضت علينا، وكنا نتمنى أن يكون النائب السابق أسامة سعد معنا ضمن لائحة توافقية". وقال "إننا نعمل على كل لبنان"، موضحاً أن "لكل منطقة حساباتها وخصوصيتها. ففي بيروت، نحن جزء من التحالف مع تيار المستقبل وغيره، وفي إقليم الخروب نحن متحالفون مع تيار المستقبل والاشتراكيين، وفي طرابلس مصرّون على التوافق، وكذلك في بلدية الميناء، أما في الضنية فقالوا إنهم لن يتدخلوا". وأكد أن "الوضع العام يميل إلى عدم الدخول في معارك انتخابية". وأشار الى أن الجماعة "تنطلق من مقولة هي أنه يصعب أن ينفرد أي فريق سني بتحمّل أعباء مسؤولية الطائفة وحده، وهذا أصبح بادياً للعيان"، معتبراً أن "تيار المستقبل اليوم هو غيره بالأمس".
وكشف هرموش أن الجماعة "جهزت مبادرة تتعلق بترتيب البيت السّني، وقابلنا أكثر من طرف سياسي وديني لهذه الغاية، وسنقابل آخرين قريباً، لأننا نعتبر أنه عندما يلتقي المسيحيون والشيعة والدروز، ويرتبون بيتهم الداخلي، فمن باب أولى أن يلتقي السّنة، من منطلق وطني، لا من منطلق طائفي، لترتيب خلافاتهم الداخلية، في إطار الوحدة ضمن التنوّع".