المشهد الميداني في مخيم جباليا، لا يمكن أن يخرج عما كانت عليه الحال في بيت حانون
لماذا بيت حانون نموذجاً؟ لأن البلدة الحدودية التي كانت من أولى المناطق التي يدخلها الاحتلال في عمليته البرية، نالت النصيب الأكبر من النار، فتعرّضت للتهجير والتمهيد الناري المكثّف في اليوم الثاني من عملية «طوفان الأقصى». ولم ينسحب منها العدو إلا بعد أربعة أشهر متواصلة من السيطرة النارية والبرية. وقد هدم كامل الكتلة العمرانية في المدينة، وحوّلها إلى بلدة خالية من التضاريس، ممسوحة وكأنها أرض سهلية. وتحرم تلك الوقائع المقاتل من أي فرصة للتخفي والمناورة. ولكن على رغم ذلك، استطاعت المقاومة المحافظة على مخزونها البشري وعتادها القتالي، وطوّرت بشكل مستمر خططها وتكتيكاتها القتالية على نحو يحقّق المزيد من المنجزات. فبعد أشهر من الضغط الميداني المتواصل، كان ملاحظاً أن حضور مقاومي البلدة في المشهد القتالي، أخذ في التلاشي. لكن بعد عدة أسابيع فقط من انسحاب قوات الاحتلال من البلدة، صعد الأداء القتالي على نحو لافت، حيث أُطلقت عشرات الرشقات الصاروخية من البلدة، ونفّذ المقاومون عشرات الكمائن وعمليات القنص والقصف بقذائف الهاون. وقوّضت تلك المعطيات أي فرصة لكي يدّعي العدو أنه قضى على كتائب المقاومة في شمال القطاع عموماً، وفي بيت حانون خصوصاً.
المشهد الميداني في مخيم جباليا، لا يمكن أن يخرج عما كانت عليه الحال في بيت حانون، إذ لوحظ خلال اليومين الماضيين، تراجع الزخم القتالي، ثم أعلنت «كتائب القسام»، أمس، تفجير ثلاث دبابات، واستهداف القوات المتوغّلة بوابل من قذائف الهاون. وهنا يمكن أن نفترض، أن أحد عشر يوماً من القتال المتواصل، أفضت إلى استشهاد عشرات المقاومين، واستنفاد مخزون عدد من العقد القتالية، خصوصاً أن جيش العدو أعلن أنه شنّ في غضون الأيام الخمسة الأولى من العملية في جباليا، 500 عملية قصف بقذائف الدبابات ونحو 100 غارة جوية. وأمام هذا الضغط، تظهر المرونة التي تفرضها طبيعة حرب الاستنزاف الطويلة، والتي تقوم على تمرير الضغط الذي يتجاوز طاقة التعامل، والاقتصاد في الخسائر البشرية لدى المقاومة قدر المستطاع، وصولاً إلى إعادة البناء والتأهيل والهيكلة مجدداً. وهذا الأسلوب في إدارة المعركة، قد يعطي العدو مكاسب تكتيكية آنية، ما يوفّر له الفرصة لصناعة صورة انتصار جزئية، تمثّلت، أول من أمس، في زيارة قادة جيش العدو للمخيم، واستعراض حجم الدمار من خلال الصور ومقاطع الفيديو، لكنه يحرمه على المستوى الاستراتيجي البعيد، من فرصة الزعم بأنه استطاع القضاء على أيّ من كتائب المقاومة، في أي بقعة توغّل فيه للمرة العاشرة.. وليس الثانية.