غزة | لم تتراجع وتيرة العمل الميداني للمقاومة الفلسطينية في اليوم الخامس للعملية البرية التي يشنّها جيش العدو في مخيم جباليا، على رغم أن الأخير كثّف الغطاء الناري من الطائرات الحربية والوسائط المدفعية على نحو غير مسبوق، مستخدماً قنابل شديدة القوة، تسبّبت بتدمير مربعات سكنية بأكملها. وسُجّل، حتى مساء أمس، تنفيذ الأذرع العسكرية لفصائل المقاومة، نحو 35 مهمة قتالية، نال محور المخيم نصيب الأسد منها، حيث فجّرت المقاومة نحو 24 آلية، تنوّعت ما بين دبابات وناقلات جند وجرافات، ليرتفع عدد الآليات التي تمّ تدميرها في جباليا وحدها منذ بدأت العملية البرية فيها، إلى 63، أي ما يعادل نصف لواء مدرّع. كذلك، نفّذ المقاومون ثلاث عمليات قنص، وخاضوا اشتباكات بالأسلحة الرشاشة من مسافة قريبة جداً مع جنود الاحتلال، فضلاً عن مواكبة العملية العسكرية على مدار الساعة، بإطلاق العشرات من قذائف الهاون في اتجاه الآليات المتوغّلة ومرابض المدفعية الثقيلة شرق المخيم.كما شكّلت عبوات «الشواظ» التي استخدمتها المقاومة على نحو غزير، أهم ملامح الحدث الميداني، إذ ظهر المقاتلون في أكثر من مقطع مصوّر، وهم يلصقون تلك العبوات خلف أبواب الدبابات، قبل أن يقفلوا منسحبين إلى مكامنهم، فيما أفيد عن قيام الطائرات الحربية الإسرائيلية بقصف ناقلة جند كانت تقلّ عدداً من الجنود، بعدما فشلت كل محاولات سحبها من مسرح الحدث بسبب كثافة الطوق الناري الذي فرضه المقاومون في محيطها. واستفتح المقاومون، أمس، بقصف مرابض المدفعية الثقيلة شرق مخيم جباليا بقذائف الهاون النظامية الثقيلة، وهي عملية القصف الخامسة التي تُعلن عنها «كتائب القسام»، بمشاركة «سرايا القدس» ضد الهدف نفسه منذ بداية العملية البرية في جباليا، في حين اعترف جيش العدو بإصابة عدد من الجنود، زاعماً وقوع انفجار داخلي في موقع «السهم الأسود». وصباحاً أيضاً، أبلغت «كتائب القسام» عن تنفيذ عملية التفاف خلف خطوط قوات الاحتلال المتوغّلة في جباليا، تمكّن فيها المقاومون من تفجير جرافتين في موقع التحشّدات والمبيت المحاذي للحدود الشرقية للقطاع شرق مدينة جباليا البلد. وبدورها، أعلنت «سرايا القدس»، بمشاركة «كتائب القسام»، تنفيذ مهمتين قتاليتين خلال ساعة واحدة، حيث استهدفت المجموعة المشتركة للمقاومة دبابة «ميركافا» بقذيفة «الياسين 105»، واشتبكت بالأسلحة الرشاشة مع قوة مشاة، وأجهزت على جميع أفرادها من مسافة صفر. وبعد أقل من 20 دقيقة، أبلغت كل من «السرايا» و«الكتائب» عن تفجير آلية أخرى بقذيفة «الياسين 105»، كما هاجمتا عدداً من الجنود الذين كانوا يحتمون بالآلية وأوقعتاهم بين قتيل وجريح. وفي محور القتال في جباليا البلد، أي على الجهة الجنوبية من المخيم، أعلنت «القسام» أن مقاوميها فجّروا عبوتي «شواظ» بدبابتي «ميركافا»، فيما تحدّثت «سرايا القدس» عن عدد كبير من المهام القتالية، ونشرت مقاطع موثّقة لاستهداف دبابات وجرافات من مسافة قريبة جداً، وقالت إنها تمكّنت من تفجير دبابة «ميركافا 4» بقذيفة مضادة للدروع قرب مسجد سعد في حي القصاصيب في جباليا البلد. كذلك، أعلنت «لجان المقاومة الشعبية» أن مقاوميها رصدوا قناصاً كان قد أقدم على قتل امرأة حاولت النزوح من مدارس الإيواء، وهاجموه بالرصاص الحي من عدة اتجاهات، ما تسبب في «تحييده». ومن ناحيتها، أكّدت «كتائب الشهيد أبو علي مصطفى» أن مقاتليها قصفوا موقع «ناحل عوز» برشقة صاروخية. وفي المساء، أعلنت «سرايا القدس» أنها قصفت مستوطنات «غلاف غزة» برشقات صاروخية.
العدو يوسّع تدريجياً مساحة التقدم البرّي في رفح


ولعل اللافت في الحدث الميداني في المخيم، أن الأهالي يرفضون حتى اللحظة إخلاءه بشكل كامل. وعليه، صار مفهوماً أن تنقل كاميرات الصحافيين بصورة حيّة مشاهد لآليات متفحّمة في وسط المخيم، وأن يقدّم الأهالي شهاداتهم العينية على بطولات المقاومين. وفي التقدير، تشير الخريطة التي تمدّد فيها جيش العدو، إلى أن الهجوم الحالي يستهدف بشكل رئيسي الكتيبة الشرقية التابعة لـ«كتائب القسام»، والتي تحمل اسم «كتيبة الشهيد سهيل زيادة»، حيث يتركز الجهد القتالي على البلوكات 2 و 4 و 5 في مخيم جباليا. ويقدّر جيش الاحتلال أن هذه الكتيبة تحديداً لم تتعرّض لأي خدش منذ بداية الحرب.
على أن العدو الذي حاذر منذ بداية المناورة البرية في نهاية تشرين الأول الماضي، اقتحام مناطق شمال القطاع من الجهة الشرقية المحاذية لمخيم جباليا وأحياء الشجاعية والزيتون والتفاح، وتعمّد الالتفاف من الجهة الغربية، لكي لا يقع فريسة لخطوط المقاومة الدفاعية الشديدة التعقيد والمتانة، اضطر بعد سبعة أشهر من القتال، إلى العودة إلى الخطوط نفسها، لكن عودته جاءت بعدما اكتسبت المقاومة قدرة هائلة على امتصاص الضربات والتعاطي مع أشد ظروف الميدان قسوة، وهو ما يفسّر مستوى الخسائر غير المسبوقة في جنود الاحتلال وآلياتهم. وبحسب مصدر ميداني مطّلع تحدّث إلى «الأخبار»، فإن «العدو وقع فريسة للإفراط في التذاكي». ويقول المصدر: «لو أن الكثافة النارية التي بدأ بها العدو المناورة البرية من الجهة الغربية، صبّت في خطوط الدفاع الشرقية، لكان استفاد من هول الصدمة، واستطاع اختراق أكثر تحصينات المقاومة وأنفاقها تعقيداً، لكن جيش العدو جاء إلى أكثر خطوط المقاومة صلابة، في وقت كانت فيه المقاومة قد استوعبت أكثر ما في جعبته من كثافة نارية على مدار الأشهر الماضية».
وفي مدينة رفح، جنوبي القطاع، وسّع العدو، أمس، بشكل تدريجي مساحة التقدم البرّي، في وقت كشف فيه الإعلام الإسرائيلي عن وصول شحنات الأسلحة التي كانت قد أجّلت الإدارة الأميركية إرسالها إلى دولة الاحتلال. وكرّر رئيس وزراء العدو، بنيامين نتنياهو، القول إن «عملية رفح مهمة للقضاء على ما تبقّى من كتائب حماس المقاتلة في القطاع»، ما يعني أننا سنكون في غضون الأيام المقبلة، أمام توسيع كبير لاجتياح المدينة، ليطاول أحياءها كافة. وفي مقابل ذلك، واصلت الأذرع العسكرية لفصائل المقاومة تصدّيها للتوغّلات، حيث أعلنت، منذ صباح أمس، دكّ موقع «كرم أبو سالم» بالعشرات من القذائف والصواريخ التكتيكية. كذلك، أعلنت، في ساعات المساء، تمكّنها من استدراج قوة هندسة وتفجير عبوة مضادة للأفراد بعدد من الجنود قرب مسجد التابعين في شارع جورج شرقي رفح.