شنّت «حماس» يوم السبت عمليّة «طوفان الأقصى» على غلاف غزّة، ممارسة حقّاً من حقوقها بصفتها حركة مقاومة وحركة تحرّر وطنيّ. حقّ يكفله القانون الدوليّ، رغم دموع التماسيح التي يذرفها الغرب على القتَلة المجرمين، الذين أقام لهم دولة لتمزّق منطقتنا. فالعمليّة هي، من جهة دفاع عن النفس، وهي من جهة أخرى عمليّة مقاومة للمحتلّ. وأمّا الردّ الصهيونيّ، فهو مرحلة مكثّفة من مراحل جريمة متمادية بدأت منذ ثمانية عقود.1- هي دفاع عن النفس ضدّ عدوان مستمرّ. فبعدما اغتصب الصهاينة فلسطين على مرحلتين، استطاعت غزّة بمقاومتها أن تطرد الغزاة من أرضها، لكنّها لم تستطع القضاء على كلّ مظاهر الاحتلال، فبقي الحصار الخانق مفروضاً عليها، وتتحكّم «إسرائيل» بوارداتها من الغذاء والدواء وغيرهما من السلع الحيويّة الضروريّة لاستمرار شعبها، كما تتحكّم «إسرائيل» ببحرها وتقيّد حركة الصيّادين وتحصرها في شريط بحريّ ضيّق. وإلى كلّ هذا شنّت عليها، منذ انسحاب جيشها من أرضها، أربع حروب كانت تستهدف البشر والحجر:
• عمليّة «الرصاص المصبوب» (2008-2009): استشهاد 926 مدنيّاً، بينهم 437 طفلاً و111 امرأة، و123 من كبار السنّ، و14 من الأطقم الطبيّة، و4 صحافيّين، إلى جانب 5450 جريحاً. وكذلك تدمير 16 من المستشفيات والمنشآت الصحيّة، واستهداف المنازل والمساجد والمدارس والجامعات...

(ليلى حمزة)

• عمليّة «عمود السحاب» (2012): استشهاد 174 فلسطينياً، حسب مجلس حقوق الإنسان، منهم 107 مدنيّون، وتدمير كامل لـ 124 منزلاً في أنحاء قطاع غزّة، وتدمير جزئيّ لحوالي 2050 منزلاً، و52 مكاناً للعبادة، و25 منظّمة غير حكوميّة، و97 مدرسة، و15 مؤسّسة صحيّة، و14 مقرّاً للصحافيّين، و8 مراكز شرطة، و16 مبنى حكومياً، و11 موقعاً سياسيّاً. وتضرّر أو دُمِّر خمسة عشر مصنعاً و192 محلّاً تجاريّاً. كما تمّ تدمير اثنتَي عشرة بئراً للمياه وتخريب أراضٍ زراعيّة.
• عمليّة «الجرف الصامد» (2014): الشهداء 2174، منهم 1743 مدنيّاً و530 طفلاً و302 امرأة و64 غير معروفين بسبب تناثر الأعضاء. الجرحى: 87010، منهم 3303 أطفال و2101 امرأة، بينما ثلث الأطفال الجرحى سيعانون من إعاقة دائمة. 145عائلة فلسطينيّة فقدت 3 أو أكثر من أفرادها في حدث واحد، وإجماليّهم 755 فرداً.
• عمليّة «حارس الأسوار» (2021)، حيث استشهد 254 غزّيّاً، بينهم 39 امرأة، و27 عجوزاً، و66 بين رضيع وطفل، تراوحت أعمارهم بين سنة واحدة وسبع عشرة سنة (1)، وأصيب بجراح 1948 شخصاً.
واستُهدِفت المؤسّسات الصحيّة، فدُمّر: 12 مستشفى، 49 مركزاً صحيّاً، 36 صيدليّة، 13 عيادة، ومبنى واحد تابع لوزارة الصحّة، فضلاً عن استهداف الوكالات الإعلاميّة وقتل الصحافيّين لإخفاء الحقيقة.
كلّ ذلك بالإضافة إلى عمليّات الاغتيال والقتل خارج القانون، التي طالت ما يزيد على 36 شخصيّة فلسطينية منذ 2005 في قطاع غزّة وحده (2).
وهكذا، فإنّ القطاع معرّض للهجمات الوحشيّة التي تدمّر البشر والحجر، وكلّ شخصيّة تنتمي سياسيّاً أو عسكريّاً إلى المقاومة هي معرّضة للقتل، ما يجيز، بحسب الاجتهاد الدوليّ، ممارسة الحقّ في الدفاع عن النفس، ذلك أنّ غزة هي دائماً ضحيّة لهجوم مسلّح (3).
هذا الحق تكرّسه المادّة 51 من ميثاق الأمم المتّحدة التي تنصّ على أنّه «ليس في هذا الميثاق ما يضعف أو ينتقص الحقّ الطبيعيّ للدول، فرادى أو جماعات، في الدفاع عن أنفسها إذا اعتدت قوّة مسلّحة على أحد أعضاء "الأمم المتّحدة"».
وإذا كانت المادّة 51 تضيف: «وذلك إلى أن يتّخذ مجلس الأمن التدابير اللازمة لحفظ السلم والأمن الدوليّ، والتدابير التي اتّخذها الأعضاء استعمالاً لحقّ الدفاع عن النفس تبلّغ إلى المجلس فوراً»، فقد تبلّغ المجلس ذلك منذ ثمانية عقود، فما كان إلّا متآمراً على فلسطين وشعبها.
2- هي عمليّة مقاومة للمحتلّ، تصبّ في خانة النضال من أجل التحرّر من الاستعمار والأنظمة العنصريّة، وتقرير المصير، ما يكفله ميثاق الأمم المتّحدة، إذ ينصّ في المادّة 55 على: «الاحترام الشامل والفعليّ لحقوق الإنسان والحريّات الأساسيّة للجميع دون تمييز بسبب العنصر أو الجنس أو اللغة أو الدين».
بما أنّ قطاع غزّة لم يتحرّر من التسلّط الصهيوني المتمثّل بالحصار، وبما أنّه جزء من فلسطين الواقعة تحت الاحتلال، فإنّ مقاومته مشروعة بالكامل أينما حصلت


وتبيحه كذلك المادّة الأولى من كلّ من العهد الدوليّ للحقوق المدنيّة والسياسيّة والعهد الدوليّ للحقوق الاقتصاديّة والاجتماعيّة والثقافيّة، كما يبيحه عدد كبير من قرارات الأمم المتّحدة الصادرة عن الجمعيّة العامّة:
- قرارات عامّة تبدأ بالقرار 637 (1952) ولا تنتهي بالقرار 67/173 بتاريخ 22 آذار/ مارس 2013.
- قرارات لمصلحة فلسطين ومنها القرار 2649 بتاريخ 30 تشرين الثاني/ نوفمبر 1970، وصولاً إلى القرار 3618 بتاريخ 28 تشرين الثاني/ نوفمبر 1981... ويبيحه عدد من قرارات مجلس الأمن علناً أو ضمناً، بدءاً من القرار 183بتاريخ 11 كانون الأوّل 1963، الخاصّ بالبرتغال ومستعمراتها في أفريقيا، وصولاً إلى القرار 2548/2020 الخاصّ بالصحراء الغربيّة.
وبما أنّ قطاع غزّة لم يتحرّر من التسلّط الصهيوني المتمثّل بالحصار، وبما أنّه جزء من فلسطين الواقعة تحت الاحتلال، فإنّ مقاومته مشروعة بالكامل أينما حصلت، ولو داخل أرض العدوّ، فعمليّات المقاومة لا يجب أن تنحصر في الحيّز الجغرافيّ المحتلّ، بل يمكن، حسب جان بيكتيه (4)، أن تلاحق القوّات المعادية في بلادها أو في أيّ مكان تستطيع بلوغه، ما لم يصطدم بسيادة دولة أخرى. ورجال المقاومة دخلوا أرضاً هي ملك لمعظمهم أساساً وكانوا قد طردوا منها، وأقاموا على تخومها في مخيّمات اللجوء، مخيمات جباليا والشاطئ والبريج، والنصيرات، والشابورة، ينظرون إلى بيوتهم وأراضيهم التي اغتصبها قادمون من مختلف أصقاع الأرض، منتظرين تنفيذ «المجتمع الدوليّ» قرار الأمم المتّحدة الرقم 194/48 الذي قضى بعودتهم والتعويض عليهم (5).

المحتجزون
قامت المقاومة بأسر أعداد من الجنود وباعتقال أعداد من المدنيّين، فهل عملها هذا شرعيّ؟
أمّا العسكريّون فلا مشكلة في أسرهم وحتّى محاسبة من ارتكب منهم جريمة ضدّ الفلسطينيّين في أيّ حرب أو اعتداء، عدا عن إقامتهم في أرض مغتصبة وحمايتهم لاحتلال استيطانيّ.
وأمّا «المدنيّون» فهم يقيمون في أرض اغتصبوها هم أو آباؤهم أو أجدادهم، أو اغتُصِبت لهم، فهم مسؤولون عن اغتصابها أو تسلّمها من مغتصبين. وهذا ما تقرّه كلّ قوانين العالم، فقد ورد في الإعلان العالميّ لحقوق الانسان لسنة 1948 (م17/2): «لا يجوز أن يحرم أحد من ملكيّته تعسفاً».
وورد في إعلان حقوق الانسان والمواطن الفرنسيّ لسنة 1789: «لا يمكن حرمان أيّ شخص من (ملكيّته)، إلّا عندما تقتضي الضرورة العامّة المقرّرة قانوناً بوضوح، وبشرط تعويضه تعويضاً عادلاً ومسبقاً».
وتكرّر الأمر في الدساتير الوطنيّة: م 16 من الدستور البلجيكي، 14 من القانون الأساسيّ الألمانيّ، م 42 من الدستور الإيطالي، م 33 من الدستور الإسبانيّ، م 15 من الدستور اللبنانيّ...
وفي القوانين العاديّة عقوبات على من يستولي على أملاك الغير المغتصبة مباشرة أو بواسطة الغير. فقد جاء في قانون العقوبات اللبنانيّ مثلاً (م 738): «من استولى دون مسوّغ شرعيّ على عقار أو قسم من عقار، بقصد السكن أو الأشغال أو الاستثمار أو الاستعمال لأيّ غاية أخرى، يعاقب بالحبس من شهر إلى سنة وبالغرامة... وتشدّد العقوبة... إذا رافق الفعل تهديد أو عنف على الأشخاص أو الأشياء».
وهكذا فإنّه لأمر مشروع أن يُعتقل «المدنيّون» ويحاسبوا على هذه الجريمة، إذا لم يحاسبوا على قدومهم للمساهمة في الاحتلال الاستيطانيّ واغتصاب وطن.
3- الردّ الصهيونيّ: هو في الواقع ليس ردّاً، بل تكثيف لارتكاب الجرائم المستمرّة منذ ثمانية عقود.
والصهاينة ليس لهم الحقّ في الردّ على العمليّة، بل واجبهم فكّ الحصار الوحشيّ غير القانونيّ وإنهاء الاحتلال المخالف لمبدأ تقرير المصير الذي أصبح قاعدة قطعيّة jus cogens في القانون الدوليّ، وليس لهم، من باب أولى، أن ينزلوا بشعب غزّة عقاباً جماعيّاً تحرّمه القوانين والشرائع الدوليّة والمحليّة ذات العلاقة بالنزاعات المسلّحة.
وإذا تجاوزنا كلّ ما ذُكِر، وعدَدنا الكيان الصهيونيّ دولة عاديّة، فالقانون الدوليّ يفرض عليه أن يكون ردّه متناسباً مع الهجوم الذي تعرّض له، وألّا يستهدف المدنيّين والأعيان المدنيّة مطلقاً (6).
وهكذا فهجوم المقاومة على غلاف غزة قانوني، وأسر العسكريّين قانونيّ، واعتقال «المدنيّين» المستقدمين لإشغال أملاك الفلسطينيّين قانونيّ. والردّ الصهيونيّ اعتداء جديد.
أمّا البكاء الغربيّ على الصهاينة فهو بكاء المسافح على ولد الزنا.

هوامش:
(1) 4 أطفال بعمر سنة واحدة، 4 سنتين، 3 ثلاث سنوات، 2 أربع سنوات، 2 خمس سنوات، 7 ست سنوات، 2 سبع سنوات، 5 ثماني سنوات، 3 تسع سنوات، 2 عشر سنوات، 7 إحدى عشرة سنة، 3 اثنتي عشرة سنة، 7 ثلاث عشرة سنة، 4 أربع عشرة سنة، 1 خمس عشرة سنة، 5 ست عشرة سنة، 5 سبع عشرة سنة.
(2) مبارك الحسنات (2007) نزار ريان (2009)، أبو زكريا الجمال (2009)، سعيد صيام و3 أشخاص معه وعدد ممن وجدوا في مكان التفجير (2009)، خالد شعلان وشخصان معه (2009)، محمود المبحوح (2010)، أياد شلباية (2010)، إسلام ياسين (2010)، تيسير أبو سنيمة (2011)، إسماعيل الأسمر (2011)، زهير القيسي (2012)، محمود الحنني (غير معروف)، أحمد الجعبري (2012)، أحمد زعنين (2014)، رائد العطار (2014)، محمد أبو شمالة (غير معروف)، محمد الزواري (2016)، مازن فقهاء (2017)، باسل الأعرج (2017)، فادي البطش (2018)، بهاء أبو العطا (2019)، جمال الزبدة (2021)، تيسير الجعبري (2022)، خالد منصور (2022)، أمير أبو خديجة (2023)، جهاد الغنام (2023)، خليل البهتيني (2023).
(3) Voir C.I. J. AFFAIRE DES ACTIVITÉS MILITAIRES ET PARAMILITAIRES AU NICARAGUA ET CONTRE CELUI-CIو Recueil 1986,, P.103 § 195.
(4) الصليب الأحمر، شرح اتّفاقيّة جنيف الثالثة، بواسطة جان بيكتيه، المعتمد من قبل اللجنة الدولية للصليب الأحمر الراعية لاتفاقيّات جنيف، شرح المادّة الرابعة من اتفاقيّة جنيف الثالثة.
(5) ينصّ القرار: «11- تقرّ (الجمعية العامّة) أنّه يجب أن يسمح للاجئين الراغبين بأن يعودوا إلى بيوتهم في أسرع ما يمكن، وأن يعيشوا بسلام مع جيرانهم، وأن من الواجب أن تدفع التعويضات عن ممتلكات أولئك الذين يقررون عدم العودة إلى بيوتهم، وعن كل مال فُقِد أو تضرّر، عندما يكون من الواجب بمقتضى مبادئ القانون الدولي أو العدالة أن هذه الخسارة أو هذا الضرر من الواجب أن يعوّض من قبل الحكومات أو السلطات المسؤولة».
(6) م 25 و27 من اتفاقية الحرب البرية (1907) وم 51-54 من البروتوكول الأوّل الملحق باتفاقيّات جنيف، واتفاقية جنيف الرابعة.

* أستاذ في كلية الحقوق، الجامعة اللبنانية