هو «وعد المقاومة الصادق» ووعيدها. هو الوعد الذي قطع مع الارتجال والفوضى لصالح التنظيم والتخطيط والتدريب.
هو الوعد الذي حرّر الوعي وأطلق الخيال فدرس التجارب وهضم الآثار والنتائج وعيّن الأخطاء وحدّد الأهداف ورسم الطريق وعبأ القوى وحشد الطاقات وصاغ التحالفات وبنى القدرات... فحقّق الإنجازات.
وهو الوعيد الذي ابتعد عن الحماسة الفارغة والخطابة الجوفاء والمبالغات البلهاء وكثير غيرها من الحماقات. فعاين الضعف وعالجه، وطوّر الإمكانات وحدّثها، وبلور الحقائق ورسخّها فأسقط الأوهام، كل الأوهام، العالق منها أو المقيم... وكان التحوّل الأساس الذي فاجأ الأعداء وروّعهم وقلب المشهد القاتم الذي أرخى بظلاله مع «النكبة» وتعمقت مفاعيله مع «النكسة»، مع كل ما ترتّب عليهما من آثار مادية ومعنوية ونفسية كادت أن تقتل الأمل وتمنع العمل.
هو وعد المقاومة الذي صدق، وبعض زرعها الذي أينع. فها هي فلسطين، كل فلسطين، «من النهر إلى البحر»، تكسر الحواجز العالية وتُسقط الأوهام الراسخة، وتعيد، مرة جديدة، لمّ الشمل العربي وتأطيره خلف الراية التي ما أسقطتها المؤامرات وإن مزقتها، ولا حجبتها الأضاليل وإن شوّهتها. الراية التي ما غابت إلا لتعاود الظهور بأبهى وأعلى مما كان. والفضل في كل ذلك هو لصلابة الإرادة ووضوح الرؤية وشجاعة القرار وحكمته ولتراكم التضحيات والخبرات الذي وفّرته المقاومة التي فقط حين تحرّرت حرّرت.
هو وعد المقاومة الذي حرّر لبنان، ومنع إسقاط سوريا، وحمى اليمن، ودافع عن العراق وانتصر لفلسطين، كل فلسطين، ودعم غزة وأمدّها بالخبرات والمستشارين وكل أسباب القوة وتالياً العزّة.
من هنا، يمكن التأكيد أن جديد المجريات الميدانية شبه التأسيسية التي تشهدها ساحات ومدن فلسطين بدءاً من غزة المقاتلة هو في الواقع امتداد وريدي وعنوان من عناوين هذا الوعد الذي نشر الأمل وعمّمه، بل هو أحد حقائقه الصلبة.
اليوم، وكما الأمس، وبالنظر إلى ما تحقق، وما هو قيد التحقق، سياسياً وعسكرياً واستراتيجياً، وبرغم الأكلاف الباهظة، التي لا تقارن مع ما صار إليه الواقع الحاكم، تتأكد، مرة جديدة، صوابية الخيار ودقة القرار ومشروعية المواجهة وحتميتها. ويتأكد أن فلسطين التي كانت هي فلسطين التي ستكون ونقطة على السطر، وأن السبيل الوحيد لإعادتها كما كانت، كاملة، هو بالمقاومة حصراً. كما ويتأكد، بدليل الصدمة والهلع والإرباك الذي أصاب فرق الهوان والتفريط، ومسارعة بعضهم إلى ادّعاء الوقوف مع غزة وأهلها، أن لا قيمة لأي موقف أو رأي لا ينطلق من أولوية المقاومة بوصفها المسلّمة الحاسمة والجواب الوحيد على أسئلة الواقع الفلسطيني والعربي. كما ويتأكد عقم كل ما تحاوله عواصم البيع والشراء العربي وسلالاتها القذرة ومن خلالهم الحماة والرعاة الغربيون. والأهم من كل ما سبق، تتأكد حقيقة أن فلسطين كانت وستبقى مصدر الشرعية الوطنية والقومية وعمادها الأساس، وليس أمام الخونة والمتخاذلين والمترددين إلا أن يتدبروا فرارهم الذي بات واضحاً أنه لن يتأخر. وأن المشاركة في معركتها والتبنّي العملي والمادي لقضيتها هما البوابة الوحيدة للكسر مع الاستنقاع والخروج من الفوات العربيين.
إنها الأيام التي يجدر البناء عليها لكنس البيت الفلسطيني والعربي وتطهيره من قاذورات العجز والارتهان والتبعية


من النتائج الأولية أنه بطلقات واضحة المصدر ودقة الاستهداف والعنوان وحتى التوقيت، ظهرت، مرة جديدة، هشاشة الكيان وهزالة استمرار وجوده الذاتي واستحالته.
بطلقات واضحة الهوية ومحددة العنوان هزّت أركان الكيان المحتل وسمعت أصداؤها في قصور التابعين العرب قبل عواصم الاستعمار الغربي، فعمّ الهلع وصمتت الألسن وانكسرت الأقلام التي تخصصت بالخيانة وامتهنت الدعوة إلى التطبيع والحثّ عليه، فتبعثرت أوراقها الواردة من واشنطن وتل أبيب... فضاعت الجهود المبذولة والأموال الطائلة.
ليس لائقاً البتة، والمنطقة في خضم هذا الكم من التحولات النوعية التي تصب في صالح أهلها الحديث عن المدعو محمود عباس أو غيره من الكائنات الساقطة. فلحظة المجد الفلسطينية والعربية هذه، وهي لحظة توثب سياسي وعسكري سيكون لها ما بعدها هنا في فلسطين ولبنان وسوريا وهناك في عموم الإقليم وهنالك في العالم الواسع. وأول هذه التحولات إعادة الاعتبار العملي وليس اللفظي لمنطلقات النضال الفلسطيني والعربي الذي كتبت صفحاته قافلة المناضلين والشهداء الطويلة.
تاريخية اللحظة تفرض تنحية فأر رام الله جانباً، وتأجيل التذكير بقذارة الدور الذي يتولاه، وهو الدور الذي جعله ذراعاً فعلية من أذرعة العدوان الهمجي الذي يحاول اليوم، عاجزاً، وقف انكسار الميزان وتآكل المشروع الذي سمّم المنطقة وحال دون تطورها وفق ما كانت تشتهي وتريد.
إنها أيام المقاومة التي قالت بعض قولها التحريري، وكشفت الكثير من حقائق هذا الصراع الذي لم يعُد هناك من شك في أنه دخل مرحلة العد العكسي. إنها الأيام التي يجدر البناء عليها لكنس البيت الفلسطيني والعربي وتطهيره من قاذورات العجز والارتهان والتبعية.
تحية إلى السواعد التي ضربت وتضرب والحناجر التي هتفت وتهتف والقبضات التي ارتفعت وترتفع. والتحية، كل التحية لجسارة القرار الغزّي برفع مستوى المواجهة ودكّ مراكز الحيوية الصهيونية في معظم الجغرافيا الفلسطينية التي عادت واجتمعت على نبض واحد، وتحت الراية المتألقة.
الكبير العربي سليم الحص الذي لم تغِب عنه فلسطين يوماً ولا هو غاب عنها كان هناك في غزة واللد والخليل ورام الله... يتنقل بين المواقع، يشارك محمد الضيف ويحيى السنوار وغيرهما من المقاومين تعب القتال وسهر وضع الخطط وتفعيلها، وكل ذلك بخفة ورشاقة شاب عشريني... تحية إلى هذا العربي الكبير الذي لم تفُته المشاركة ولا الإسهام في كل ما له علاقة بالمقاومة وفلسطين ولبنان وسوريا وكل بلد عربي صان الثوابت ودافع عنها.
سليم الحص مصدر من مصادر الأمل الذي يصنع انتصارات اليوم في فلسطين وباقي المدن والعواصم العربية المحتلة.



اشترك في «الأخبار» على يوتيوب هنا