الكلام عن أمين عام جمعية «الوفاق»، الشيخ علي سلمان، ليس بالأمر السهل، لجهة أن هذه الشخصية الاستثنائية هي بمثابة الزعامة السياسية للمعارضة البحرينية.هو من مواليد البحرين عام 1965. قاد انتفاضة الكرامة في 1994 قبل أن تنفيه السلطات إلى دبي في الإمارات المتحدة، ومن بعدها غادر إلى لندن، وواصل عمله النضالي من هناك. عاد إلى البحرين عام 2001 بعد بدء إصلاحات سياسية، لكن النظام لم يفِ بوعوده. أصبح أميناً عاماً لجمعية «الوفاق»، وهي أكبر جمعية سياسية في البلاد. انتخب عضواً في البرلمان البحريني لدورة واحدة. حاز على أكبر كتلة نيابية. ثم اعتقل في 20 كانون الأوّل 2014، وتواصلت الأحكام التعسفية بحقّه إلى السجن المؤبّد في تهم تتّصل بالكيد السياسي. لم ينقطع عن جماهيره، وكان لصيقاً بهم حريصاً على تمثيل معاناتهم. يتّصف بكونه متسامحاً وشخصية هادئة في تفكيرها وعلاقاتها. لا يحمل الضغينة حتى مع خصومه، فهو يقول: «لم أختبر مشاعر كرهٍ تجاه من يقف وراء اعتقالي، وإن ترسّخ لدي إيمان أعمق بقبح ما يفعلون». تمكّن الشيخ سلمان من فهم سيكولوجية الجماهير بدقّة متناهية، خصوصاً في بنية روح الجماعات، فنجح في الاتصال بها والتأثير في متبنّياتها لصالح الوطن، ليس استعلاءً أو استغلالاً بل ذوباناً واندماجاً لإيجاد دولة المواطنة المتساوية. فالقواسم بينهم، سواء في العقائد السياسية أو الدينية أو الثقافية، تبني مشروعاً في مكتسبات الدولة الديموقراطية مع المحافظة على نهجه الديني.
هذا التعالق الصادق مصاديقه، ثبات في قيم الشيخ، وصبر في أداء المهمّات، واستجابة لمطالب المواطنين، فأحبّته الجماهير وتسيّد قلوبها فكان الأمين على أحلامهم في الدولة والمجتمع.
امتلك علاقات واسعة مع النخب السياسية والثقافية والإعلامية والاقتصادية في البحرين وفي المنطقة العربية، ولم تكن «عمامته» مانعاً من أن يكسب ودّ الإعلام العربي والمصري، بالذات إبّان ثورات الربيع العربي، ناهيك عن القنوات المشهورة عالمياً، فقد أطلّ على الجماهير العربية في شاشات متعددة بزي «الأفندية» في حوارات سياسية ستبقى شاهدة على قدرته في فهم مسببات المحن والأزمات السياسية.
استخدم شيخ الوفاق خطاباً سياسياً ذكياً مع النظام في الحوارات التي كان طرفاً رئيسياً فيها عام 2011. فهو مفاوض عنيد لا يكلّ، لكنه في الوقت ذاته يبقي الأبواب مفتوحة في السياسة، وكثيراً ما شكّل حرجاً لأفراد الحكم الذين يتحكّمون في مجريات الأمور ومقدّرات البلاد.
قرّر النظام التخلّص من الشيخ سلمان عبر «التمثيلية السمجة» بتهمة التخابر مع الدوحة بهدف إعاقته عن أداء دوره السياسي الناهض في مواجهة الاستبداد.
بقاء الشيخ في الاعتقال مع رفاقه من قادة المعارضة يعني استمرار الأزمة


ولكن، ثمّة من يسأل: كيف لهذا الشيخ أن يمتلك كل هذه الملكات وهذا الوقار في عالم السياسة؟ وهنا يمكن القول إن أمين الوفاق تشكّلت قيادته من الحراك المصاحب للعريضة الشعبية النخبوية، ومن قربه وملازمته لقادة المعارضة وفي مقدّمتهم الشيخان عبد الأمير الجمري وعيسى قاسم. كما اطلع على تجربة السود النضالية في جنوب أفريقيا، فشكّلت جانباً مهمّاً في تجربته السياسية، إضافة إلى خبرات المنافي واتصاله بالمعارضات العربية الأخرى.
أقام أمين الوفاق تحالفات سياسية مع الجمعيات الوطنية المعارضة، على اختلافها يسارية كانت أو إسلامية، متجاوزاً الهواجس الطائفية، يقصده سفراء الدول بتنوّعهم في مجلس «الوفاق» الرمضاني، وكان مؤثراً في خلق القناعات بحاجة البحرين للتعددية السياسية. استطاع الشيخ علي بدربته أن يوازن بين التحدّيات في تحوّل «الوفاق» من حركة معارضة في الشارع إلى كتلة انتخابية معارضة في البرلمان، وهو أمر لا يخلو من الأخطار قياساً بالصلاحيات المتواضعة للبرلمان في البحرين. يُكمل الشيخ علي سلمان في 28 من شهر كانون الأوّل من هذا العام سبع سنوات من اعتقاله في سجون النظام، وهي مدّة ليست قصيرة في عمر مجتمعٍ صغير كالبحرين. وبقاء الشيخ في الاعتقال مع رفاقه من قادة المعارضة يعني استمرار الأزمة السياسية في البلاد.
سوف يبقى النظام يحتاج إلى الشيخ سلمان وإمكاناته السياسية إذا حانت فرصة التحوّلات المتوقّعة، سواء في داخل البحرين أو المنطقة، والنظام وقتها يعرف طريق الشيخ ومفتاح زنزانته.
إن أنشودة النصر التي كتبها الشيخ علي مع رفاقه سوف تُعزف في يوم من الأيام في ربوع الوطن بامتداده، وإن تأخّر توقيت العزف، فانتصار الشعوب سنة كونية.

* عضو جمعية «الوفاق» البحرينية