باريس | منذ بداياته، لم يسلم أحد من لسانه وتعليقاته، لا من أهل السياسة والسلطة، ولا من أهل الصحافة أو الثقافة. مع ذلك، لا يذكر له أيّ تورّط قضائي بسبب عروضه الهزلية، إلى أن ألقى بنقده وسخريته على رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو خلال برنامج يتناول احتفالات الهالوين. وقع اختياره على نتنياهو ليكون أفضل زي تنكري مثيراً للرعب لدى الأطفال، واصفاً إياه بأنه أشبه بـ «النازي المختون»!ضجة مدوية، نقاشات، رقابة، شتائم وتهديدات بالقتل على منصات التواصل الاجتماعي، وسائل الإعلام، وخصوصاً قناة CNews، كما في أروقة «الجمعية الوطنية الفرنسية» وحتى مراكز الشرطة والشرطة القضائية والمحاكم ما هي إلا إعلان عن الشرخ الكبير في أسس القيم الثقافية الفرنسية المرتكزة على حرية التعبير، وضربة قوية لمكانة الكوميديين/ات والحق في التعبير عبر أسلوب السخرية والتهكّم والكاريكاتور الذي حظي بمكانة خاصة في فرنسا حتى اليوم.
هكذا وجد الكوميدي الفرنسي غيّوم موريس نفسه خاضعاً لتحقيقات الشرطة القضائية في محاولات عبثية لتفسير «نكتة» أطلقها في برنامجه الإذاعي Le Grand Dimanche soir، على أثير «فرانس انتير»، حيث يعمل منذ عام 2012، استمرّت عواقبها لثلاثة أسابيع مكثفة من الضجة الإعلامية والتهديدات بالقتل والرقابة والإشكالات القضائية.
انهالت عليه الانتقادات اللاذعة كما التشهير والشتم العلني واتهامه بمعاداة السامية من قبل السياسي الفرنسي الإسرائيلي مثير حبيبي، إضافة إلى ثلاث قضايا إحداها ذم وتشهير، قال عنها غيوم موريس: «رغم أنّ قضايا التشهير ترفع عادة من قِبل المشهَّر به شخصياً، إلا أن عبثية الحال سمحت بأن ترفع الدعوى جمعيات وتنظيمات يهودية أوروبية وبعض أفراد «محامون بلا حدود» بتهمة نشر الكراهية ضد اليهود التي لا أساس لها أيضاً»، إلى جانب وصول عدد كبير من التهديدات بالقتل من الجمهور على هاتفه الشخصي، فانتهى به الأمر إلى التوجه أيضاً إلى القضاء ضد السياسي مثير حبيب وحوالى 15 شخصاً هدّدوه بالقتل.
وكانت إذاعة «فرانس أنتير» أزالت فيديو الحلقة عن موقعها الرسمي ومنصاتها ولم يعد له أثر إلا على قناة الفنان الهزلي الخاصة على اليوتيوب. يرفض موريس كل الانتماءات الحزبية والسياسية، ويشدد فقط على المرح والضحك وقراره بأن يكون ذلك مصدر رزق له أيضاً، معتمداً على «حرية التعبير» ومؤمناً بها. إلا أن حاجة الجمهور إلى التأطير، لم تنفك تبحث وتصدر الأحكام في حين أنّ أعماله وإنتاجاته تظهر جلياً أنه من اليسار، بل من اليسار الراديكالي، ما يعزز بطبيعة الحال هجوم الأصوات اليمينية عليه. حتى إنّ أصواتاً فرنسية رأت كونه مناصراً للبيئة ومدافعاً عنها، أو أنه أصبح نباتياً في عام 2019 هو تأكيد لراديكاليته بمعنى أنّها تثبت التهم الموجهة إليه!
رفض موريس طلب إدارته بتقديم اعتذار عن تصريحاته الهزلية، وفسّر ذلك في مقابلة مطوّلة ومباشرة له على قناة اليوتيوب الراديكالية Auposte.fr لصاحبها ومقدم برامجها دافيد دوفرين معللاً أنه من العبثية بمكان «أن أقوم بالسخرية وإلقاء النكات وأعتذر عنها لاحقاً أو أفسّرها للآخرين، فمن ضَحِك ضحك، ومن لم يحب أو لم يجد ما قلته مضحكاً، فلن يضحك وهنا ينتهي الأمر». كان لقاء Auposte حميمياً، فكاهياً، لاذعاً ومباشراً أجاب الفنان الكوميدي فيه عن الكثير من الأسئلة المتعلّقة بقضيته، ولم يتوان عن إطلاق عدد من العبارات الساخرة اللاذعة الجديدة. أعرب عن عدم ندمه أو تراجعه عما قاله سابقاً، وخصوصاً لأنه لم يتناول اليهودية مطلقاً بل تحدّث فقط عن «مجرم حرب». وكان مقدم البرنامج قد حصل على مخطوطة كتاب موريس، قبل عرضه على الرقابة، علماً أنّه صدر أخيراً عن دار Seuil تحت عنوان «في أذن الإعصار» متمّماً بذلك نشر عشرة كتب هزلية.
أطلق نكتة على نتنياهو فاشتعلت الحرب ضده


يضحك الفنان الهزلي حين يتحدث عن محاولات الشرطة القضائية توريطه بتهمة اللاسامية عبر ذكر أسماء دمغت بالتهم نفسها في فرنسا مثل ديودونيه وغيره ممّن أعلنوا عن مساندته في قضيته عبر فيديوهات نُشرت على صفحاتهم، لكن «بقيت إجابتي ثابتة. لقد قمت بمزحة واستمررت بتذكير نفسي بذلك طوال التحقيق».
رغم كل ما حدث، لا يزال موريس مستمراً في عمله الإذاعي في راديو «فرانس انتير» (رغم الملف القضائي الجاري بحثه في محكمة العمل)، ولا تزال مشاريعه الفنية الهزلية مستمرة، إضافة الى الأصداء الإيجابية للكتاب الجديد، وخصوصاً أنه يتناول عالم الميديا، فلا شك في أنّ وسائل الإعلام كافة اهتمت به بشكل لافت، يُضاف إلى إستراتيجيات التوزيع والترويج الناجحة، ومن الجدير ذكره تبرّع الكاتب بحقوق النشر لمنظمة «أطباء العالم».. أنهى غيوم موريس مقابلته في القناة الراديكالية البديلة Auposte.fr قائلاً إنّ الفن التهكّمي لا يعلو على القانون، لكن «مساحات النقاش متاحة دوماً، وما قمنا به اليوم من نقاش ومشاركة/ في هذه الحلقة، هو خلاصنا الوحيد لأننا بذلك نحيا إنسانيتنا حتى لو أنّنا على غير وفاق».