قبل شهر تقريباً، وافق مجلس النواب الأميركي بغالبيته الساحقة على مشروع قانون يجبر تيك توك على الانفصال عن الشركة الأم تحت طائلة حظره على مستوى البلاد، إذ تعتقد الولايات المتحدة أنّ منصة مقاطع الفيديو القصيرة تسمح لبكين بالتجسّس على مواطنيها والتلاعب بآرائهم وتوجهاتهم، في حين نفت الشركة مراراً نقلها معلومات إلى السلطات الصينية، رافضةً أي طلب محتمل من هذا النوع. على الضفة المقابلة، تطبّق الدولة الصينية سياسات تقييدية على الشركات التكنولوجية الأجنبية والمحلية على حد سواء، وتتخذ منذ سنوات تدابير متعددة لتنظيم استخدام الإنترنت وتقييد الوصول إلى بعض التطبيقات والمواقع، بالإضافة إلى تطبيق سياسة الرقابة الاجتماعية.

وقد طلبت إدارة الفضاء الإلكتروني في الصين بشكل رسمي أخيراً من شركة آبل إزالة تطبيقَي واتساب وثريدز من متجر التطبيقات الرسمي (APP Store)، كما تمت إزالة تطبيقَي التراسل الفوري تيليغرام وسيغنال من المتجر الصيني يوم الجمعة الفائت، وفقاً لشركتي تتبع التطبيقات Qimai وAppMagic. وأشارت تحقيقات وكالة «رويترز» أيضاً إلى أنّ باقي تطبيقات شركة ميتا مثل فايسبوك وماسنجر وإنستغرام لا تزال متاحة للتنزيل في متجر التطبيقات الصيني، كما لا يزال يتوافر عدد من التطبيقات الغربية مثل منصة X ويوتيوب وغيرهما. علماً أنّه بلغ مجموع تنزيل تطبيقات إنستغرام ومنصة x وفايسبوك ويوتيوب وواتساب من متجر تطبيقات آبل أكثر من 170 مليون مرة في الصين على مدار العقد الماضي. في سياق آخر، اعتبر بعض الخبراء التقنيين في الصين أن القرار الحكومي بشأن هذه التطبيقات قد يكون مرتبطاً بقاعدة جديدة وُضعت في آب (أغسطس) الماضي، تطلب من جميع التطبيقات المتاحة في الصين تسجيل بياناتها لدى الحكومة تحت طائلة إزالتها في حال عدم الالتزام بهذا البند، وقد كان الموعد النهائي للشركات لإكمال التسجيلات هو نهاية آذار (مارس) الماضي ودخلت اللوائح الجديدة حيز التنفيذ في الأول من نيسان (أبريل) 2024. تقلّص هذه الخطوة عدد تطبيقات الدردشة الأجنبية التي يمكن لمستخدمي الإنترنت الصينيين اللجوء إليها للتواصل مع من هم خارج البلاد، ما يزيد من تشديد الرقابة على الإنترنت من قبل بكين.
وقال المتحدث باسم شركة آبل في رد أولي على المطلب الصيني بأنّ هذا الأمر ليس منطقياً، خصوصاً لناحية المخاوف التي تتعلق بالأمن القومي، وأشار إلى أن الشركة ملزمة باتباع قوانين البلاد التي تعمل فيها ولو كانت تختلف معها، في حين رفضت شركة ميتا التعليق وأحالت الاستفسارات إلى آبل.
بطبيعة الحال، إن الرقابة على وسائل التواصل الاجتماعي في الصين ليست جديدة. على مدى عقود، حُظر عدد من تطبيقات المراسلة الشائعة بما في ذلك تطبيقات فايسبوك وتويتر قبل إعادتها في وقت لاحق، وكانت لشركة آبل نفسها نصيب من عمليات الحظر حتى العام الماضي، فقد طلب منها إزالة عدد من تطبيقات الذكاء الاصطناعي التوليدي الشبيهة بـ ChatGpt حيث كانت الصين تعمل على خدمات محلية مشابهة لها.
سعي إلى فرض رقابة أشد على وسائل التواصل الاجتماعي والتطبيقات

كما أزالت تطبيق «نيويورك تايمز» الإخباري عام 2017، في وقت تزايدت فيه الرقابة على الأخبار ولا يزال غير متوافر على متجر تطبيقات الصين من آبل حتى اليوم. وكما في حالات الحظر السابق، يعمد المستخدمون داخل الصين إلى الإفادة من خدمات البروكسي والـ VPN لاستعمال هذه التطبيقات بعيداً عن «جدار الحماية العظيم» الذي تعتمده الصين، ما يجعلهم عرضة للمساءلة والتتبع أيضاً. في مقابل ذلك، أتاحت الحكومة الصينية بشكل واسع عدداً من الوسائط الاجتماعية، مثل الإصدار الأصلي من منصة تيك توك و WeChat وDouyin وWeibo وQQ لتشكيل بديل محلي للمنتجات الأجنبية مع ما تحمله من مخاطر لناحية جمع المعلومات وإسقاطها في برنامج الرقابة الاجتماعية الخاص بهم.
يُظهر الصراع المتصاعد بين الولايات المتحدة والصين في مجال التكنولوجيا والاتصالات أبعاداً سياسية واقتصادية وتكنولوجية تستدعي الاهتمام، إذ تطلق الإجراءات الحكومية في كل من الصين والولايات المتحدة إشارات عميقة بشأن التوجهات الإستراتيجية والأمنية لكل بلد، ما يؤثر على الشركات والمستخدمين على حد سواء، ويتجلى هذا التوتر في مسعى الحكومات إلى فرض رقابة أشد على وسائل التواصل الاجتماعي والتطبيقات التكنولوجية، وتحديداً على الشركات الأجنبية.
من جهة أخرى، يعكس الاستخدام المتزايد لخدمات البروكسي والـ VPN استمرار رغبة المستخدمين في الوصول إلى التطبيقات والمنصات العالمية، وهو ما يعكس التحدي الذي تواجهه الحكومات في مواجهة تلك التقنيات.
بشكل عام، تنبّه هذه الأحداث إلى أهمية فهم تداعيات الصراعات التكنولوجية وتأثيرها على السياسات العالمية وحقوق المستخدمين، وتشدّد على ضرورة وجود حوار دولي وتعاون لوضع إطارات قانونية وتقنية تحافظ على حقوق الأفراد والدول على حد سواء وتعزز الاستقرار العالمي والسلم الأمني بين البلاد.