لم يسبق أن ترك مراسلاً حربياً وصحافياً مخضرماً الأثر ذاته الذي حفره عسّاف عبود (1957ــــ2024) الذي رحل يوم الأحد في دمشق بعدما أغلق الباب على رحلة صحافية غنيّة دامت 40 عاماً، صنع فيها حضوراً مهنياً وافياً، وشكّل شبكة علاقات مهنية وإنسانية واسعة، تشهد له في غالبيتها بخفّة الظل والحنكة الصحافية وبراعة التخفيف من وطأة السياسة وأخبار الحرب الدامية التي واكبها بكامل سنواتها في بلاده سوريا. رغم أنه كان يعمل مراسلاً لصالح قناة BBC البريطانية في دمشق، إلا أنه بذكاء مهني وسعة علاقات مع أصحاب القرار تمّكن من التوغل عميقاً ليوصل الخبر الحقيقي دائماً بالرواية التي يراها صحيحة، ولو لم تكن تتسّق مع السياسة التحريرية لقناته العالمية!ظرافته سمة لازمت حياته يذكرها جيّداً زملاء مهنته، خصوصاً في سنوات الحرائق الملتهبة في الشام، التي كانت تنعقد فيها المؤتمرات التشاورية والصحافية وغيرهما، فكان بصوته الجهوري وروحه المرحة يخلّص الجميع حوله من ثقل ووطأة تلك الأجواء الرسمية المحفوفة بالتوتر، حتى إنّ رفاق مهنة المتاعب يذكرون كيف مازحه وزير الخارجية السوري الراحل وليد المعلم عندما قال له في أحد المؤتمرات: «صوتك جهوري لا تحتاج إلى ميكرفون».
ينحدر الراحل من مدينة التلال المكسّوة بالأخضر الخصب أي صافيتا (ريف طرطوس) تدرّج في العمل الصحافي، وعيِّن مديراً لمكاتب العديد من الصحف ووكالات الأنباء في دمشق، منها إدارته في منتصف الثمانينات مكتب جريدة «الاتحاد» الإماراتية. كما عمل مراسلاً لوكالة الأنباء الأردنية في الشام، قبل أن يلتحق بـ «هيئة الإذاعية البريطانية» ويستمر فيها كمدير مكتب دمشق لحين إعلان الحكومة السورية منتصف العام الفائت قرار إغلاق مكاتب BBC في البلاد على خلفية عرضها فيلماً وثائقياً «يتهم السلطات بالتورط في تجارة الكبتاغون».
تمكّن الراحل من مواكبة العمليات العسكرية جميعها في سوريا خلال الحرب، وأنجز مئات التقارير التي شهد لها بالمهنية، والعمق للوصول إلى لب الخبر وجوهره بدون ادعاءات وفبركات.. خلال مشواره، استطاع إجراء مجموعة من اللقاءات الحوارية مع شخصيات سياسية بارزة، وأصحاب نفوذ وقرار في الوطن العربي وغيره.
--
* يصلى على جثمان الفقيد اليوم الثلاثاء عند الساعة ٣.٣٠ بتوقيت دمشق في «كنيسة القديس نيقولاس للروم الكاثوليك» في صافيتا، ثم تقبل التعازي في قاعة الكنيسة بعد الدفن مباشرة حتى الساعة 8 مساءً، ويومي الأربعاء والخميس في ٢٨-٢٩ شباط (فبراير) ٢٠٢٤ من الساعة 7-4 مساءً، وفي دمشق في قاعة «كنيسة الصليب المقدس» أيام السبت والأحد والإثنين 2-3-4 آذار من الساعة 6 حتى 8 مساء.