انعكس الجنون في الجسم القضائي في اليومَين الماضيين فوضى إعلامية، فانقسمت القنوات اللبنانية بين معسكر داعم للقاضي طارق البيطار وآخر للقاضي غسان عويدات، مع قسم غرّد خارج السراب بسبب التخبّط حول كيفية التعامل مع القرارات الصادرة من الجانبَين، ولا سيّما بعد الضغوط الأميركية والتهديد باعتبار الموقوف محمد زياد العوف الذي يحمل الجنسية الأميركية، رهينةً، ما استدعى بعض القنوات المهيمنة محاولة «دوزنة» خطابها بعدما جاهرت بدعمها للبيطار في الفترة الماضية.هكذا مثلاً، تنوّعت الأخبار على «الجديد» التي عادت إلى أسس المهنة، فاضطرت إلى نقل الرأي والرأي المضادّ أي كما يُفترض في الأدبيات الإعلامية، لكن من دون منّة من القناة. ذهبت «الجديد» إلى النقل المباشر مرات عدّة خلال النهار لتنقل صرخات أهالي ضحايا انفجار المرفأ خلال تحركاتهم أمام قصر العدل الداعمة لبقاء الملف بيَد القاضي البيطار. في نشرة أخبارها المسائية أيضاً، أعطت هؤلاء الأولوية، قبل أن تنتقل إلى تقرير تضمّن آراء الموقوفين (الذين أُفرج عنهم) الحادّة ضدّ البيطار، ثمّ توّجته بمقابلة مع مدّعي عام التمييز السابق القاضي حاتم ماضي، وهو ضيف متكرّر على القناة، فأسهب في شرح كيف أنّ كلا القاضيَين البيطار وعويدات ارتكبا الأخطاء من الناحية القانونية، مستنتجاً أنّ الهدف من وراء ما يحصل «دفن التحقيق».
على جبهة OTV، نُقلت وجهتَا النظر أيضاً، ولو أنّ الأخبار تركّزت حول إخلاء سبيل الموقوفين. في هذا السياق، طغى خبر الاحتفال بالإفراج عن مدير عام الجمارك بدري ضاهر القريب من التيار الوطني الحر، فذهبت القناة في بث مباشر وأعطت خبر إطلاقه حيّزاً واسعاً في نشرة أخبارها المسائية، إلى جانب زيارة النائب جبران باسيل لبكركي. أمّا LBCI فذهبت في بث مباشر خلال النهار كما فعلت «الجديد» لنقل تحركات أهالي الضحايا، وكذلك mtv التي افتتحت نشرة أخبارها بمقابلة مع رئيس حزب «الكتائب» سامي الجميل رأى فيها أنّ حزب الله وراء الفوضى في القضاء، متّهماً مسؤول وحدة الارتباط والتنسيق في الحزب وفيق صفا بممارسة «التهديدات على العدلية». فقناة المرّ، بعكس «الجديد»، عرفت كيف تتجنّب التخبّط، بقفزها فوق قضيّتَين متضاربتَين لواشنطن يد فيهما بطريقة أو بأخرى، والذهاب مباشرةً نحو ضرب العصفور الكبير، وهو في هذه الحالة حزب الله، أي أنّ القناة ومعها رئيس «الكتائب» ارتأيا أنّ الوصول إلى الحقيقة في ملفّ انفجار المرفأ يمرّ عبر الاستغلال السياسي لدماء الضحايا، وأنّ الوقت الحالي هو الأفضل لتنفيذ أجندتهما السياسية، كلّه تحت شعارات مثل الوصول إلى الحقيقة والوقوف إلى جانب أهالي الضحايا وغيرهما من تبريرات تُنقض بمجرّد النطق بها.
مع ازدياد الفوضى في القضاء، ستزداد حكماً في الإعلام اللبناني المنقسم أساساً من دون قضية مماثلة، وتضاف إليها قضايا أخرى أهمّها ملف التحقيقات مع حاكم مصرف لبنان رياض سلامة والارتفاع الجنوني بسعر صرف الدولار وأسعار المحروقات، وفوق ذلك الأزمة السياسية المتمثلة أوّلاً في تعذّر انتخاب رئيس للجمهورية. بذلك تكون القنوات اللبنانية أمام أصعب الاختبارات خلال أحلك الظروف التي تمرّ هي كما البلاد بها.